للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حرارة الصيف بين العلم والأدب]

للأستاذ ضياء الدخيلي

يعاني اليوم قراء (الرسالة) في أنحاء الشرق الأدنى سطوة عامل فيزيائي يقسو على سكان بعض البلاد العربية ويخف بطشه بآخرين - ذلك هو ويل الأمواج الحرارية التي نصلي شواظها في هذه الفترة من الزمن فتنصب على رؤوسنا من هذا الكوكب الملتهب الذي سجر لظاه رب السماوات. فلنتحدث عن حرارة الصيف وما قال عنها العلم الحديث مخصصين عنايتنا بأثرها في أجسامنا، ثم فلنعرض شكوى الأدباء وعويل الشعراء من وهج بلاد العرب وكيف كانوا يتقون عنفها في المملكة العربية قبل أن ينعم أديسون وإخوانه - على البشرية بالكهرباء ومراوحه السحرية، ومولدات الثلج في لحظات تغلب خطو الأماني عبر الدياجي إلى تخوم الوجود.

لعل من مظاهر الرفق ومجالي العطف على القارئ الكريم أن لا تفحمه أبحاث علماء الفيزياء في الحرارة فالمثل يقول: (لا تكن أنت والزمان عليها). فليس من لطف الإنسانية أن نخوض به غمار تلك الأبحاث المتعبة التي يشكو اليوم من ويلاتها الطلبة وهم على أبواب الامتحانات فلنغض عن حديث ما تسببه الحرارة من تمدد في الغازات والسوائل والأجسام الصلبة، ولنضرب صفحاً عن معاملي التمدد الحجمي والطولي فلا نريد أن نبني جسوراً فولاذية في رأس القارئ الكريم وهو يرزح تحت سطوة الحر في بلاد العرب، ولنترك للطلبة استظهار الحرارة النوعية وبحث الانصهار والجمود تلك الأبحاث التي اعتادوا أن يجمدوها في حافظتهم لساعة الامتحان الحرجة حتى إذا انغمروا في لهو العطلة الصيفية انصهرت معلوماتهم، فكأنما كانت تماثيل من الثلج أذابتها حرارة الصيف وتلاشى قانون (بويل) كما غاب نفس بويل قبله في عالم العدم وتصاعدت المعلومات متطايرة بعد أن تكاثفت لخزنها لأوقات الامتحان ولنصم آذاننا عن تعريف الفيزيائيين للحرارة بأنها (عبارة عن طاقة حركية للجزيئات) ولكن لنصغ إلى ذلك الأديب يعرف لنا الحرارة تعريفاً شعرياً. وقديماً عد اليونان في علم المنطق من أساليب البرهنة - القياس الشعري وضربوا له المثل بقولهم: (الخمر مرة مهوعة) فالحق أن التعريف الشعري والبرهان الشعري أقوى تأثيراً في نفوس الناس من الأبحاث الدقيقة القائمة على الإحصاءات، فأكثر الذين اندفعوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>