إلى الهيام بالخمر جذبتهم أخيلة الشعراء الذين وصفوها بأنها ياقوتة ذائبة تطير بالنفوس بأجنحة الخيال في عالم الأفراح. ولو قالوا إنها سم يشل مراكز التفكير العليا لكانوا أقرب إلى الحقيقة. ولكنهم يبعدون عن تفكير الجماهير العمياء التي لا يقودها غير عاطفتها. وإذن فلنترك الأديب يحدثنا عن الصيف وحره فيقول (كما أورده النويري في نهاية الأرب في فنون الأدب).
(أوقدت الظهيرة نارها، وأذكت أوارها. فأذابت دماغ الضب، وألهبت قلب الصب. هاجرة كأنها من قلوب العشاق، إذا اشتعلت بنيران الفراق، حر تهرب له الحرباء من الشمس، وتستجير بمتراكب الرمس، لا يطيب معه عيش، ولا ينفع معه ثلج ولا خيش، فهو كقلب المهجور، أو كالتنور المسجور) هذا مما قيل في حرارة الصيف نثراً، وأما الشعر فحسبك منه ما يلي: قال ذو الرمة:
وهاجرة حرها واقد ... نصبت لحاجبها حاجبي
تلوذ من الشمس أطلاؤها ... لياذ الغريم من الطالب
وتسجد للشمس حرباؤها ... كما يسجد القس للراهب
(في المنجد: حاجب الشمس ناحية منها وأول ما يبدو منها مستعار من حاجب العين، وحواجب الشمس أشعتها) وقال مسكين الدارمي:
وهاجرة ظلت كأن ظباءها ... إذا ما اتقتها بالقرون سجود
تلوذ بشؤبوب من الشمس فوقها ... كما لاذ من حر السنان طريد
وقال ابن الفقيسي:
في زمان يشوي الوجوه بحر ... ويذيب الجسوم لو كن صخرا
لا تطير النسور فيه إذا ما ... وقفت شمسه وقارب ظهرا
ويود الغصن النضير به لو ... أنه من لحائه يتعرى
وقال أيضاً:
يا ليلة بت بها ساهداً ... من شدة الحر وفرط الأوار
كأنني في جنحها محرم ... لو أن للعودة مني استتار
وكيف لا أحرم في ليلة ... سماؤها بالشهب ترمي الجمار