كنت كتبت في العدد ٩١ من الرسالة، كلمة عن الأوزاعي، قصدت فيها أول ما قصدت إلى ملاحظات في أسلوب تفكير الكاتب، وعرضت في ذلك لإنكاره تأثر الأوزاعي بالفقه الروماني في الشام. ودار حول ذلك كلام، آخره ما كتبه الأديب الفاضل صالح بن علي الحامد العلوي في العدد ٩٧ من الرسالة، تحت عنوان:(هل تأثر الفقه الإسلامي بالفقه الروماني أو الحقيقة هي العكس)؛ وإني أشكر لحضرته غيرته الدينية، وجميل أدبه في نقاشه، ثم أعود إلى الموضوع من الناحية التي عرضت له منها أول ما عرضت: ناحية أسلوب التفكير، وصحة الانتقال والاستنتاج.
ويبدو لقارئ مقال الأديب السنغافوري أنه متأثر بمقال نشر في مجلة النهضة الحضرمية بعنوان:(من أين أخذ الإفرنج قوانينهم) وقد نقل منه قدرا كبيرا. ولعله يسر حضرته أن أبلغه أن هذا الموضوع نفسه نشر في مصر - وربما بنصه - منذ ربع قرن مضى، ملحقا بكتاب مقدمة القوانين للأستاذ عبد الجليل سعد، وقد طبع سنة ١٩١٠م. وقرأت هذا الموضوع منذ بضعة عشر عاما، ولا أزال أذكره جيدا، ومع ذلك كله قلت فيما قلت عن تأثر الأوزاعي بالفقه الروماني تلك الكلمة المتواضعة العلمية وهي: مع عدم تعصبي للقول بهذا التأثر، ومع القصد في بيانه فإني أرى هذا الاستدلال على عدم تأثر الأوزاعي غير مقبول من الوجهة الاجتماعية والنفسية. . . الخ) ولا أزال أقول للكاتب إن ما نقله عن مجلة النهضة الحضرمية لا يؤثر في هذا الرأي كما لم تؤثر فيه قراءتي لهذا الموضوع في مصر منذ عهد بعيد؛ ولا أجعل موضوع الأخذ أو التأثر هنا محل بحث جديد ومناقشة على صفحات مجلة سيارة، لأنه أوسع من ذلك وأعمق، ولأن ملاحظاتي لا تتوقف عليه، كما لن أعمد في تعليق على ذلك المقال إلى الإطالة والإسهاب نزولا على حكم الوقت الضيق الآن، ثم نزولا على حكم البتة، إذ لا أرى قراء الصحف الأسبوعية ينشطون لتلك المناقشة الفنية الطويلة. وسأكتفي بأن أضع بين يدي السيد العلوي والقراء ما أراه موضع ملاحظة في إجمال تام.
١ - قال السيد: ومهما قلنا بالفرق بين الأخذ والتأثر لكلا المعنيين بجريان إلى مدى واحد،