وهو أن يكون في أصل الفقه الإسلامي ومزاجه شيء من الفقه الروماني)، ومع صرف النظر عن مسألة الفقهيين لا نرى محلا للتسوية بين التأثر والأخذ هذه التسوية، لأن التأثر قد يكون سلبيا صرفا، فنقول إن الوثنية العربية قد أثرت في تحريم الإسلام للتصوير والنحت، ولن ينتهي هذا إلى أن في مزاج الإسلام وأصله شيئا من الوثنية الجاهلية. والنظر يقضي بأن التأثر السلبي قد يكون أقوى أنواع التأثر وأشدها، فلا محل للتسوية بين التأثر والأخذ.
٢ - وقال: إن الإسلام في ذاته جاء خارقا لقاعدة البيئة والثقافة، إذ قام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو النبي الأمي الذي نشأ أبعد الناس عن أن يطلع على قانون روماني أو حكمة منقولة، وأتى بهذا الدين الأقدس مناقضا كل التناقض لما عليه قومه،. . . الخ. وغريب هذا القول من السيد، لأنه لا يصح إلا على تقدير أن هذا الدين من صنيع الرسول نفسه، وهو أمي. . الخ فعمله ناقض لقاعدة البيئة والثقافة، أما على أن الإسلام - كما هو في حقيقته - وحي إلهي فلا يستقيم هذا التمثيل مطلقا في نقض قاعدة البيئة والثقافة، لأنا لم نقل إن الله خاضع للبيئة والثقافة، بل نقول إن الله أجرى الحياة على نواميس منها تأثير البيئة والثقافة. . . الخ. وعلى وفق هذه النواميس جاء الإسلام العرب موافقا لحالهم معالجا لأمراضهم، جاريا على أسلوب تعبيرهم محكما له في فهم القرآن الكريم دستور العربية، ولم لم يجيء الإسلام بحيث تتقبله النفوس العربية، وتفهمه العقول العربية لكان عبثا - تعالى الله عنه - ولم يعش ولم ينجح.
٣ - وقال:(إن الشريعة الإسلامية وجدت كاملة دفعة، أو بعبارة أصح جاءت في زمن واحد،. . الخ) وهذه العبارة أوضح من أن تحتاج مخالفتها إلى دليل، ويتجلى ذلك في قوله بعد، (وهيأ لنا شريعة كاملة وقانونا ربانيا منظما يصلح لأن يطبق على أي جيل وعلى أية أمة، ولم يزد فيه الفقهاء بعده شيئا قط إلا تصنيفه ونقله. .) فهذا الكلام ليس أحسن حالا من سابقه، فالفقهاء قد فهموا وطبقوا، واستنتجوا واستنبطوا، وخلفوا كل هذا المجهود الفقهي الكبير الهائل مبنيا بيدهم على الأصول العامة التي جاء بها الوحي، ولم يكونوا مصنفين وناقلين فقط، على أن حضرته يقول (. . . والنصوص الفقهية كلها صريحة بينة الأغراض واضحة المرامي) وهذه العبارة بنفسها ينقضها هو في الصفحة ذاتها حين يقول