عن القرآن:(على أن الاختلاف في تفسيره. . . ليس إلا لإيجازه المعجز مع بعد مراميه الغيبية) فإن هذا الإيجاز المعجز لم يفت آيات الأحكام كذلك، وبعد المرامي يشملها أيضاً؛ وإذا كانت النصوص صريحة بينة الأغراض واضحة المرامي ففم اختلف فقهاء المذاهب الكثيرة المتعددة، وفيم اختلف فقهاء المذهب الواحد في الزمنين المختلفين، وفيم تغايرت الأحكام في المسألة الواحدة هذا التغاير البين؟ والطريف في ذلك أن السيد يمثل لهذه الصراحة والوضوح بقولك مثلا لا تكذب، وأنه ليس معناه إلا لا تخبر بغير الواقع في كل زمن ومكان، وفات السيد أن هذه المسألة الخلقية نفسها على وضوحها الشديد عنده محل خلاف طويل تعدى حتى إلى كتب البلاغة، فقيل الصدق مطابقة الخبر الواقع، وقيل مطابقته للاعتقاد، وقيل مطابقته للواقع مع الاعتقاد؛ وعلى هذا يختلف كذلك تفسير الكذب، فحبذا لو كان الأمر من السهولة والصراحة والوضوح على مثل ما يراه السيد.
٤ - ويقول حضرته في النصوص الفقهية (. . . أما الأغلب منها فمن الحديث والسنة، وبعضها عن الكتاب مفسرا بالسنة) ولا نعرف وجها للحكم بأن أغلب النصوص من السنة لا من الكتاب، ولا يفهم أن الأغلب ما هو من السنة والكتاب معا إذ ليس هناك مصدر للنصوص سواهما.
٥ - ويقول (ولا يجوز أن يقاس الفقه بالتفسير) ولا أدري كيف لا يقاس الفقه بالتفسير في الاختلاف والفقه ليس إلا تفسير آيات الأحكام!!
وعندي أن الكاتب الفاضل يحسن أن يعدل رأيه في هذه الأشياء قبل أن يهتم بمسألة الفقه الروماني وأخذه أصوله عن الفقه الإسلامي، أو تأثر للفقه الإسلامي به، فتلك مسائل متأخرة.
ويلي ذلك في مقال السيد ما نقله عن مجلة النهضة الحضرمية وأشرت إلى أنه منشور في مصر منذ زمن طويل؛ وقد وعدت ألا أحمله ولا أحمل القراء مؤونة مناقشته - على كثرة مواضع ذلك فيه - وإنما أقول للسيد إن كلمتي في التأثير والتأثر لا تتوقف على البت في تاريخ أصول القانون الروماني الحديث، وإنما ترجع إلى مسلمات لا محل لاختلافنا فيها: تلك هي أن الرومانية حكمت الشام قطعا، وكان ذلك الحكم لقرون كثيرة قطعا، وكانت الدولة الرومانية التي ورثت حضارة اليونان نظم للحكم قطعا، وكانت لها شرائع مدنية