في سنة ١٩٢٤ أخرجت دار الكتب المصرية الجزء الأول من أثر ضخم، هو كتاب (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) لشهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري، وذلك بإشارة المغفور له العلامة الأستاذ أحمد زكي باشا وبتحقيقه. ثم وقف مشروع إخراج الكتاب في مستهله لأسباب نجهلها حتى اليوم، ولكنا علمنا أخيراً أن دار الكتب قررت استئناف العمل في (مسالك الأبصار) وإخراجه تباعاً إلى جانب الآثار القديمة الأخرى التي تعنى بنشرها.
وهو نبأ يستقبله الباحثون والأدباء بمنتهى الغبطة. ذلك أن (مسالك الأبصار) من الآثار الإسلامية الضخمة التي تمتاز بغزارة مادتها وتنوع موضوعاتها ونفاسة معلوماتها؛ وهو ثالث ثلاثة من الموسوعات العربية المصرية الضخمة، التي كتبت في عصور متقاربة، وامتازت على جميع الآثار الإسلامية بضخامتها وتنوعها وطرافتها؛ وهي: مسالك الأبصار، ونهاية الأرب للنويري، وصبح الأعشى للقلقشندي. وقد أخرجت لنا دار الكتب (صبح الأعشى) كاملاً في أربعة عشر مجلداً، وأنجزت لنا من نهاية الأرب نحو ثلثه في أحد عشر مجلداً، وما زالت ماضية في إخراجه، وبقي عليها أن تستأنف العمل في ثالثة هذه الموسوعات الكبرى، ونعني (مسالك الأبصار).
كان القرن الثامن الهجري في مصر عصر الموسوعات الأدبية والتاريخية العامة؛ وإذا لم تكن فكرة الموسوعات الجامعة في الأدب العربي مصرية محضة، فقد بلغت ذروتها على الأقل في مصر، وأخرج الكتاب المصريون أعظم وأبدع نماذجها. وكان شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري هو أول كتاب الموسوعات ورأس هذه المدرسة الغزيرة الباهرة (٦٦٠ - ٧٣٢هـ) وقد وضع لنا موسوعته الفريدة (نهاية الأرب في فنون الأدب) في أوائل القرن الثامن الهجري في أكثر من ثلاثين مجلداً كبيراً، فجاءت أثراً ضخماً لم تشهد مثله الآداب العربية من قبل في غزارة المادة وتنوع الموضوعات وطرافة الأوضاع؛ ثم تلاه العمري الذي نريد أن نتحدث اليوم عنه وعن مجهوده، بوضع موسوعته (مسالك