للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأبصار)؛ وجاء القلقشندي ليختم هذا الثبت في أوائل القرن التاسع بوضع موسوعته (صبح الأعشى).

كان العمري دمشقي المولد؛ ولكن مصري التربية والموطن والتكوين؛ وهو شهاب الدين أبو العباس بن فضل الله أحمد بن يحيى؛ وينتهي نسبه إلى عمر بن الخطاب، ومن ثم كان تلقيبه بالعمري. ولد في ثالث شوال سنة سبعمائة (١٣٠٠م)، وتلقى تربيته الأولى في دمشق؛ ثم وفد على القاهرة حدثاً ودرس بها واتخذها وطناً وموئلاً، ومال إلى التخصص في علوم الفقه واللغة، وبرع بالأخص في الكتابة والإنشاء، وتقلد في البلاط القاهري عدة مناصب هامة أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون في ولايته الثالثة (٧٠٩ - ٧٤١هـ) وانتهى إلى تقلد ديوان الإنشاء والرسائل، فاستحدث فيه كثيراً من الأساليب والأوضاع البديعة، ووضع له دستوراً لبث عمدة الكتاب والسلاطين مدى عصور.

ولبث العمري إلى جانب اضطلاعه بأعباء المناصب العامة رجل البحث والدرس؛ وعني عناية خاصة بدرس الجغرافية الطبيعية والسياسية أو الممالك والمسالك وطبائعها وخواصها؛ ودرس تواريخ الأمم وأحوالها وعجائبها، ولا سيما أمم الشرق النائية مثل أمم التتار والهند والصين، ودرس الفلك أيضاً، ولم يكتف في درسه بقراءة المصادر والمصنفات القديمة، فتجول في أنحاء الشام والأناضول والحجاز وبعض الممالك الإسلامية الأخرى، حسبما يبدو ذلك في أكثر من موضع من سياق موسوعته، وحسبما يشير إجمالاً في مقدمته، واستعان في تعرف أحوال الأمم والممالك التي لم تتح له زيارتها بأقوال العارفين والثقاة ممن زاروها أو درسوا أحوالها دراسة خاصة، حتى اجتمعت له من ذلك مادة غزيرة تمتاز في كثير من الأحيان بدقتها وطرافتها.

وقد تبوأ العمري إمامة البلاغة والبيان والترسل في عصره حتى أن الصفدي معاصره وصديقه يفضله في هذا الفن على القاضي الفاضل، وبصف خلاله ومواهبه الأدبية في تلك العبارات البليغة: (يتدفق بحره بالجواهر كلاماً، ويتألق إنشاؤه بالبوارق المستعرة نظاماً، ويقطر كلامه فصاحة وبلاغة، وتندى عباراته انسجاماً وصياغة، وينظر إلى غيب المعاني من ستر رقيق، ويغوص في لجة البيان فيظفر بكبار اللؤلؤ من البحر العميق، قد استوت بديهته وارتجاله، وتأخر عن فروسيته من هذا الفن رجاله، يكتب من رأس قلمه بديها ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>