للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعجز القاضي الفاضل أن يدانيه تشبيهاً، وينظم من المقطوع والقصيدة جوهراً يخجل الروض الذي باكره الحيا مزهراً، صرف الزمان أمراً ونهياً، ودبر الممالك تنفيذاً ورأباً، ووصل الأرزاق بقلمه، ورويت تواقيعه وهي سجلات لحكمه وحكمه، لا أرى أن اسم الكاتب يصدق على غيره ولا يطلق على سواه). ثم يصفه الصفدي بعد ذلك بالأديب (الكامل) وينوه بقوة ذاكرته، وحسن ذوقه، ويقول لنا إنه، أي العمري، كان آية في النثر والنظم والترسل البارع عن الملوك، وأنه (لم ير من يعرف تواريخ الملوك المغل من لدن جنكيزخان معرفته، وكذلك ملوك الهند والأتراك. وأما معرفته الممالك والمسالك، وخطوط الأقاليم والبلدان وخواصها، فأنه فيها إمام وقته).

ولأقوال الصفدي، وهو إمام النقد في عصره، قيمتها في التنويه بخلال العمري الأدبية، والعلمية الفائقة. بيد أن تراث العمري نفسه ما زال خير شاهد بعبقريته ولا سيما في فن الإنشاء والترسل، وقد كان العمري فوق ذلك شاعراً مجيداً؛ ومن رقيق شعره قوله:

أأحبابنا والعذر منا اليكمو ... إذا ماشغلنا بالنوى أن نودعا

أبثَّكموا شوقاً أباري ببعضه ... حمام العشايا رنة وتوجعا

أبيت سمير البرق قلبي مثله ... أقضى به الليل التمام مروعاً

وما هو شوق مدة ثم ينقضي ... ولا أنه يلقي محباً مفجعا

ولكنه شوق على القرب والنوى ... أغص الأماقى مدمعاً ثم مدمعا

ومن فارق الأحباب في العمر ساعة ... كمن فارق الأحباب في العمر أجمعا

وقطع العمري حياة قصيرة ولكن باهرة؛ وتبوأ ذروة المناصب العامة، كما تبوأ إمامة التفكير والأدب، واستمرت حظوته لدى الملك الناصر طوال عهده؛ ثم توفى سنة ٧٤٩ هـ (١٣٤٨م) دون أن يبلغ الخمسين.

- ٢ -

ترك لنا العمري تراثاً حافلاً ينم عن غزارة مادته ورفيع مواهبه، منه موسوعته الكبرى (مسالك الابصار في ممالك الأمطار) و (الدعوة المستجابة) و (صبابة المشتاق) وهو في المدائح النبوية و (سفرة السفرة) و (دمعة الباكي) و (يقظة الساهر) و (نفحة الروض) وكلها من كتب الأدب والبيان، وكتاب (فواصل السمر في فضائل آل عمر) وكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>