التطور سنة الحياة، ومعناه النمو التدرجي والتكشف، ومعناه أيضاً نشوء الأشكال العليا من الدنيا في الحياة كما يقول القاموس
إذن نفهم من هذا أن كل شيء حي، وأي شيء يمت لذلك الحي بأدنى صلة، يسري عليه ناموس التطور التدرجي في الحياة. ومن غير الضروري أن نثبت منطقياً أو علمياً سلسلة تطور الإنسان مثلاً من عصور ما قبل التاريخ إلى البربرية الأولى فالثانية فالثالثة، ولا أن نعدد الأطوار التي قطعها حتى وصل إلى ما هو عليه الآن. فلسنا في حاجة إلى ذلك في هذا المجال. إن هذه أشياء مقطوع بصحتها على الأقل من ناحية التدرج النشوئي الذي استغرق آلاف السنين
إنما الذي يعيننا هو أن نوضح أن الحياة في مختلف نواحيها تخضع للناموس ذاته؛ فكلما تطورت حالة الإنسان اختلفت بيئته وتغيرت طرقه ووسائل معيشته من تجارة وصناعة، وعادات ونظم، وتعاليم ومبادئ، وعلوم وفنون وغير ذلك
وفن التجميل ولو أنه يبدو فناً كمالياً، فانه في الواقع فن ضرورة ولزوم إذا أخذنا بالمبدأ القائل بسذاجة الطبيعة وأنها جرداء قاحلة ما لم نضف عليها من رائع خيالنا وبديع تصويرنا
فإذا وضحت النظرية الآن، وصح تطبيقها على الجمادات والعجماوات، فمن الضروري لزومها للكائن المفكر الذي يسوقه تفكيره إلى بلوغ أقصى درجات الكمال في كل شيء. ولا جناح عليه إذا لحظ أنه يعمل للارتقاء في جهات قبل أخرى، أو إذا تباينت درجات ذلك التطور، فهذه سنة الحياة ونظام تكوينها
وفن التجميل على هذا الأساس من اعرق الفنون وأكثرها حركة واشدها اقتحاماً. فالكوخ لم يبق ذلك الشكل الساذج، بل تحول وتحور حتى صار بيتاً، والبيت تطور وتطور على أشكال وأنماط. . .
والقدر لم يبق ذلك الإناء الضروري لحمل الماء أو غليه، وإنما تطور فتحور وهذب،