وهذه مقالات بعضها نشر في مجلة (الرسالة) وبعضها نشر في مجلة (الهلال)، والبعض الأخير لم ينشر في هذه ولا تلك؛ جمعها كاتبها أحمد أمين الأستاذ بكلية الآداب بالجامعة المصرية، في كتاب إجابة لدافع غريزة حب البقاء، لأنها - مجموعة - أدل منها متفرقة، وفي كتاب أبين منها في أعداد.
والأستاذ أحمد أمين من كبار المؤرخين المعاصرين في العربية، يدين له تاريخ الحياة العقلية في القرنين الأول والثاني للهجرة بأحسن ما كتب في دراسته من سبل التحقيق في التاريخ. غير أن كتابة الرجل وإن ظهرت عليها مسحة من التدبر العلمي في استقصاء الأسباب وربط النتائج لها كمظهر تحليلي، فان التقرير دون التحليل هو طابع دراساته. ولكن تقرير الحوادث والوقائع عنده خاضع لمحكمة النقد العليا التي تستنزل أولياتها من المنطق التاريخي، ومن هنا جاء ما لدراسات الرجل من قيمة.
والرجل يمتاز بكل سمات العالم في بحثه، من سلامة النظر وسعة الاطلاع والنزاهة وهدوء الطبع. غير أنه ينقصه التحليل في عمقه. وطابع التقرير يوقفه كثيراً عند ظواهر الأشياء دون أن يستجلي بواطنها. ولا أدل على ذلك من نظرة سريعة لموضوعات مقالاته التي نشرها بعنوان (فيض الخاطر)؛ فهو في المقال الأول يتكلم عن (الرأي والعقيدة)، ويرى الرأي شيئاً والعقيدة شيئاً آخر، وهو يذهب في كلامه مولياً وجهة من النظر تذكرنا بوجهة الفنان توفيق الحكيم في المقال الأول من كتابه (تحت شمس الفكر).
يرى الأستاذ أحمد أمين مكان الرأي الدماغ؛ أما العقيدة فمكانها القلب. والواقع أن هذه التفرقة اعتبارية محض، فضلاً عن أن القسمة غامضة، فنحن لا نعرف من القلب معنى غير الشعور والإحساس الباطني، ومثل هذا الشعور والإحساس الباطني ليس الرأي ببعيد عنه. وكم من رأي هو وليد الشعور الباطن والإحساس الداخلي.
وفي هذا المقال يرى الكاتب أن الإيمان بالشيء يستتبع العمل على وفقه لا محالة؛ غير أننا نلاحظ أن الإيمان شيء والعمل شيء آخر، وليس الإيمان بالشجاعة أو الكرم من الأسباب