من (مدام كوري) في زٍيّ زكي مبارك تنهك الجسم والعِصب، وتنفق الوقت والذهب، في سبيل كشفه.
لا أريد أن أعرض لك الكتاب ولا أطيق الآن أن أحلله وأنقده، فهو يقع في نحو ثمانمائة صفحة من القطع الكبير؛ وعرضه وتحليله لا يغنيانك عن مطالعته شيئاً. وكل ما أقوله لك إنك ستجد زكي مبارك فيه رجلاً آخر غير الشاب الذي عرفته في سائر كتبه.
وزكي مبارك - إن أردت فيه كلمة الحق - مجاهد باسل من المجاهدين القلال الذين شقوا طريقهم في الحياة بالقوة، وأخذوا نصيبهم من المعرفة بالكد، وأحلوا أنفسهم محلهم اللائق بالصراع. وهو أحد الأدباء الذين لم يقم مجدهم الأدبي على الظروف والحظ. وإذا كان الحظ قد وقع في حياته فهو الحظ المنكود. لأنه تعلم بكدح قلمه، وتقدم بفضل جهاده، ثم كانت الظروف التي تساعد غيره تلح عليه بالنكران والحرمان من غير هوادة.
ومن أثر ذلك كان هذا الإعلان المستمر عن نفسه وعن عمله. وهي صفة لا تتفق كثيراً مع وقار العلم وجلال الخلق. ولكنها آتية إليه من وراء الوعي على ظن أن الناس ينكرون عليه فضله وينفسون عليه مكانه.
ولو استطاع زكي مبارك أن يتملق الظروف ويصانع السلطان ويحذق شيئاً من فن الحياة - لاتقى كثيراً مما جرته عليه بداوة الطبع وجفاوة الصراحة. ولكن هذه الأعراض النفسية ستفنى فيه وفي الناس، ويبقى ذلك المجهود العلمي الضخم الذي قدمه إلى الأدب العربي في شتى مناحيه شاهداً على صدق خدمته للأدب ورفيع مكانته في النهضة.