للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

٤ - الفن

للكاتب الفرنسي بول جيزيل

بقلم الدكتور محمد بهجت

التمثيل

كنت أتحادث مع رودان بمرسمه في أصيل يوم من الأيام، وقد أخذ الظلام يرخي سدوله فسألني فجأة:

(هل سبق لك أن عاينت تمثالاً قديماً على ضوء مصباح؟) فأجبته في شيء من التعجب: (كلا، أبداً).

(حسن، سأدهشك. فلربما بدا لك أن معاينة التماثيل في غير ضوء النهار أمر غير مألوف. صحيح أنك تستطيع أن تستجليها على أكمل وجه في وضح النهار ولكن تمهل قليلاً فسأطلعك على تجربة تخرج منها بفائدة محققة).

وعند ذلك أشعل مصباحاً أخذه بيده ثم قادني إلى تمثال من رخام قائم على منصة في ركن من أركان المرسم. كان نسخة جميلة مصغرة من تمثال زهرة مديسي وقد احتفظ به رودان هناك كيما تستعر به نار وحيه وإلهامه عندما يعمل.

(اقترب مني) قال ذلك ثم رفع المصباح إلى جانب التمثال وقربه منه حتى كاد يلمسه، وسلط الضوء كله على الجسم، ثم سألني عما عساي أن ألاحظه. ولأول لمحة أخذت أخذاً عجيباً بما بدا لي فجأة إذ أظهر الضوء وهو من ذلك الوضع نتوءات وانخفاضات هينة عديدة منتشرة على سطح الرخام مما لم أكن أتوقع مشاهدته. وهذا ما أجبت به رودان على سؤاله فصاح موافقاً: (حسنا، انتبه جيداً). وعند ذلك أدار المنصة التي يقوم عليها التمثال. وكنت لا أزال أبصر في جسم التمثال وهو يدور عدداً عديداً من تلك الفحصات التي تكاد تدق على الأعين. وبدا لي ما كان بسيطاً في أول الأمر غير بسيط، وإذ ذاك رفع رودان رأسه وصاح مبتسماً: (أليس ذلك عجيباً؟ اعترف بأنك ما كنت تتوقع اكتشاف الكثير من تلك التفاصيل. انظر إلى تلك التموجات العديدة على الجزء الذي يصل الفخذ ببقية الجسم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>