لاحظ كل انحناءات الورك الشيقة، ثم هنا تلك، الفحصات المليحة الفاتنة التي على طول الأرداف).
قال ذلك في صوت خفيض به حرارة التعبد ونبرات الخشوع وقد انحنى فوق التمثال كأنما شغف به حباً وقال:(حقاً إنه من لحم). ثم لمعت عيناه وقال:(يخيل إليك أنه قُد من العناق والقبل لا من الحجر الصلد). وبعد أن وضع يده على الدمية قال فجأة:(عندما تلمس هذا التمثال تحس كأن الحرارة تسري فيه) وبعد لحظات قليلة عاد فقال:
(حسن. وما قولك الآن في تلك الفكرة السائدة عن الفن الإغريقي؟ يقولون، وأخص بالذكر أصحاب المدرسة القديمة الذين نشروا هذه الفكرة، إن القدماء في عبادتهم للمثل الأعلى احتقروا الجسد أيما احتقار وأرخصوا من شأنه وأبوا أن يظهروا في أعمالهم دقائق الحقائق المادية العديدة. يدعون أن القدماء أرادوا أن تجاريهم الطبيعة في خلق جمال متخيل مبسط يروق للذهن فقط ولا يستثير الحواس. ويضربون لذلك الأمثال التي يتوهمون أنهم وقعوا عليها في الفن القديم، ويتخذون من ذلك حجة على تهذيب الطبيعة وتخنيثها وقصرها على حدود ضيقة جافة فاترة عقيمة لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
ومما لا مشاحة فيه أن الإغريق بالغوا في إظهار ما يجب إظهاره بما أوتوا من عقول منطقية جبارة. لقد أفصحوا عن أهم المميزات البارزة في النوع الإنساني، ومع ذلك فإنهم لم يطمسوا شيئاً من التفاصيل الدقيقة الحية. إنهم كانوا يقنعون بمزجها وإدماجها في المجموع. وبينما تراهم مولعين بالحركات المنسجمة المتزنة الهادئة تراهم يخضعون أو يضعفون في غير ما تعمد كل ما شأنه أن يؤثر في جمال أو رواء حركة من الحركات، ولكنهم تحاشوا أن يمحوها كل المحو.
إنهم لم يبتدعوا قط طريقة أو أسلوباً من العمايات والأضاليل، كان ديدنهم أن يظهروا الطبيعة كما يرونها، يحدوهم في ذلك حبهم واحترامهم لها. ولقد أثبتوا إثباتاً قاطعاً في كل المناسبات شغفهم الشديد بالجسد. وإنه لمن البله أو الخبل أن نعتقد أنهم كانوا يحتقرونه، إذ لم يثر جمال الجسم الإنساني شعوراً أرق وأعمق مما أثاره في نفوس الإغريق، حتى لتبدو تماثيلهم التي نحتوها كأنما يطيف بها طائف من النشوة والوله. وعلى هذا الأساس يفسر الفارق العظيم الذي لا يتصور بين المثل الأعلى الزائف عند المدرسة القديمة وبين الفن