الإغريقي. فبينما نرى في أعمال القدماء أن تعميم الخطوط ما هو إلا مجموع أو (كل) يتكون من التفاصيل والدقائق، نرى التبسيط المدرسي خوراً وضعفاً، نراه خاوياً كالطبل الأجوف. وبينما نرى الحياة تهيمن على عضلات التماثيل الإغريقية النابضة وتبعث فيها الحرارة والدفيء نرى دمى الفن المدرسي كأنما أثلجها الموت). وهنا صمت رودان هنيهة عاود بعدها حديثه قائلا:
سأطلعك على سر عظيم. أتدري كيف أمكن أن نحس دبيب الحياة في تمثال فينوس الذي نحن بصدده؟ بواسطة علم التمثيل. ولربما بدت لك هذه الكلمات تافه عادية ولكن صبراً فستسبر غور أهميتها بعد حين.
أخذت علم التمثيل عن معلم يسمى كنستانت كان يعمل في المرسم الذي ظهرت فيه أول مرة كمثال محترف. فبينما كان يراقبني يوما وأنا أعمل في رأس يكلله إكليل من الغار إذ صاح بي قائلا: يارودان! إنك لا تسير بهذا في الطريق السوي. فكل أوراقك منسطحة ولهذا فهي لا تبدو طبيعية. اجعل أطراف بعضها متجهة نحوك حتى يشعر من يراها أن لها أبعادا وأغوارا. عملت بمشورته؛ ولشد ما دهشت من النتيجة التي حصلت عليها.
ثم عاود كنستانت نصيحته قائلا: فلتذكر دائما ما سأقوله لك الآن. عندما تطبع في الطين أو تحفر لا تنظر إلى الجسم في طوله ولكن في ثخانته، ولا تعتبر سطحاً من السطوح إلا كحد أو نهاية لحجم ما، أو كالطرف الذي يوجهه إليك ذلك السطح. إنك أن تمارس ذلك تحصل على علم التمثيل؟ ولقد وجدت هذه القاعدة مفيدة أيما فائدة. ومن ثم طبقتها على صنع التماثيل. فبدلا من أن أتصور أجزاء الجسم مسطحات كثيرة الانبساط أو قليلة أبرزتها كنتوءات ذات أحجام داخلية. وقد حاولت جهدي أن يدل كل نتوء في الصدر أو الأعضاء على عضلة أو عظمة تحت الجلد، وهكذا يبدو صدق تماثيلي منبعثاً من الداخل كالحياة نفسها لا سطحياً تافها.
ولقد تبين لي الآن أن الأقدمين مارسوا هذا الضرب من التمثيل بحذافيره. ومما لا ريب فيه أن ما نراه من نضارة وطراوة أعمالهم التي تنبض بالحياة إنما يرجع إلى اتباعهم هذه الطريقة في أشغالهم.
وهنا تأمل رودان تمثال الزهرة من جديد ثم سألني فجأة: