للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المجدد المنتظر. . .]

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

كان المسلمون في الماضي كلما حزبهم الأمر، وبلغ اليأس بهم كل مبلغ، وجدوا في خبر المهدي الذي يأتي آخر الزمان، أو المجد الذي يبعث على رأس كل مائة سنة، ما يحي فيهم ميت الأمل، ويبعث فيهم الرجاء بعد اليأس.

وهاهم أولاء الآن قد حزبهم الأمر بما لم يحصل مثله في ماضيهم، فأصبحوا من الضعف بحيث طمع فيهم من لا ناصر له وغلب عليهم كل مغلب، وشمخ عليهم من ضربت عليه الذلة والمسكنة، فهم في أشد حاجة إلى من ينهض بهم من هذا الضعف فيصلح ما فسد من أمرهم، ويجدد ما بلى من أحوالهم، ويقضي على ذلك الجمود المميت، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه، ويقود جنود الإصلاح إلى النصر، وينظم صفوفهم في الحرب القائمة بينهم وبين دعاة الجمود، حتى ينتظم ما تفرق من صفوفهم، وترتفع في الخافقين أصواتهم.

فهل يقوم لهم بذلك ما يرجونه من المهدي المنتظر، أو من المجدد الذي يبعث إليهم في رأس كل مائة سنة؟ والجواب عن ذلك يجرنا إلى النظر فيما مضى من أثر الفكرتين في المسلمين.

لقد نبتت فكرة المهدي المنتظر بين فرقة الشيعة من المسلمين فانتظروه شخصاً من آل بيت النبوة يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم، ويوافق اسم أبيه اسم أبيه أيضاً، فيكون إماماً معصوماً، ويكون مؤيداً فيما يقوم به من الله تعالى، ويكون له حكم المسلمين جميعاً، فيرجعون إليه في أمور دينهم ودنياهم.

ولا شك أن هذه أمور تغري النفس كل الإغراء، وتثير في كل شخص أن يكون المهدي المنتظر، لتكون له تلك القداسة الدينية، وليكون له ذلك السلطان على المسلمين، وكل ما كان من هذا القبيل يدخل فيه الاحتيال، ويستعان عليه بالتصنع، وما يدخل فيه الاحتيال لا ينطلي عند كل الناس، وما يستعان عليه بالتصنع لا يلبث أن يظهر أمره، فيفترق فيه المسلمون حيث يراد اجتماعهم، ويكون وسيلة خصام، لا وسيلة سلام ووئام.

وقد قامت محاولات كثيرة في ذلك كان الفشل نصيبها كلها ولم يستفد المسلمون منها شيئاً، بل كانت تزيدهم فرقة إلى فرقتهم وكان الخلاف يتسع بها بينهم، ولم تفدهم محاولة منها ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>