للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يطلبونه من إصلاح، ولم توصلهم إلى ما يريدونه من تجديد.

وكانت أول محاولة في ذلك من أبي جعفر المنصور ثاني ملوك بني العباس، وكان من قبله بني العباس قد وضعوا تنبؤات في ظهور أمرهم، وفي ظهور المهدي من بينهم، ومن ذلك ما روي عن ابن عباس - والظاهر أنه موضوع عليه - أن أم الفضل حدثته أنها مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: إنك حامل بغلام، فإذا ولدت فأتيني به، فلما ولدته أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، وألبأه من ريقه وسماه عبد الله، وقال: اذهبي بأبي الخلفاء. فأخبرت العباس - وكان رجلاً لباساً - فلبس ثيابه، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بصر به قام فقبل بين عينيه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: هو ما أخبرتك، هو أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم.

ومن ذلك ما روي عن ابن عباس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اللهم انصر العباس وولد العباس - قالها ثلاثاً - ثم قال: يا عم، أما شعرت أن المهدي من ولدك موفقا راضيا مرضيا.

وكان أبو جعفر المنصور يسمى عبد الله، وكان له ابن يسمى محمداً، فأراد أن يجعل منه المهدي الذي مهدوا لظهوره بهذه التنبؤات، وكان أبو العباس السفاح قد بايع لأخيه أبي جعفر من بعده، ثم لابن أخيه عيسى بن موسى من بعد أبي جعفر، فلما صار الأمر إلى أبي جعفر المنصور عمل على أن يخلع عيسى بن موسى من ولاية العهد، وأن يضع مكانه ابنه محمداً، فلقبه المهدي. وأشاع حوله تلك الأحاديث والتنبؤات التي ترمي إلى تقديسه وتعظيمه، وتشير إلى أنه يقوم بالأمر فيملأ الأرض عدلاً، ثم أخذ يرغب الناس فيه، ويجتهد في حمل وجوه دولته على الالتفاف حوله فلما تم له ما أراد من ذلك جعله من فعل الله تعالى، وأنه هو الذي أشرب قلوب الناس مودة المهدي، وقسم في صدورهم محبته، فصاروا لا يذكرون إلا فضله، ولا ينوهون إلا به، ولا يجري على ألسنتهم إلا ذكره، لمعرفتهم إياه بعلاماته واسمه، ثم أقدم على الغاية التي أرادها من ذلك، فأراد أن يخلع عيسى بن موسى من ولاية العهد، ويولي مكانه ابنه المهدي، تنفيذاً لما أراده الله من ولايته، لأنه زعم أنه أمر تولاه الله وصنعه، ولم يكن للعباد فيه أمر ولا قدرة، ولا مؤامرة ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>