للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فلسفة برجسون]

نشرت (الرسالة) بحثاً قيما لحضرة الأستاذ زكي نجيب محمود لخص فيه فلسفة برجسون أحسن تلخيص وأوفاه، وهي تلك النظرية التي تسود عالم العلم الآن، والتي صار لها الرجحان التام على كل ما خالفها من المذاهب والآراء.

وإنني على شدة إعجابي بالطريقة الشيقة الواضحة التي عرض فيها بحثه، وبما دعمه من الحجج القوية، والأدلة الساطعة التي تثبت بأجلى بيان إن الأصل في الكائن الحي هو الروح لا الجسم، وإن الروح كائن مستقل بذاته، وأنه هو الذي يسيطر على الجسم، وهو الذي يديره ويوجهه حسب إرادته الذاتية. وإن الكائنات الحية من نبات وحيوان وإنسان، خلقت أنواعها خلقاً مستقلا، ووضعت في الدرجات والمنازل التي عينتها لها الروح بمطلق إرادتها، لا بطريق النشوء والتطور؛ كما كانت تذهب إلى ذلك الآراء المادية البائدة. أقول مع إعجابي بذلك وبغيره مما شيد به أركان النظرية، وأقام عليه بناءها المحكم. أراه قد انتهى إلى نتيجة لا تتفق مع هذه المقدمات، ولا تسير مع أحكام العقل؛ بل بعضها يناقض بعضا.

تلك النتيجة هي قوله في ختام بحثه: (هذه الحياة التي لا تفتأ تخلق وتغير وتبتدع، والتي تلتمس الحرية من قيود المادة هي الله (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) فالله والحياة اسمان على مسمى واحد؛ ولكنه إله ذو سلطان محدود بقيود المادة، وليس مطلق الإرادة كما تصوره الأديان؛ إلا أنه دائب في التخلص من أغلاله وأصفاده. وأغلب الظن أن الحياة ستظفر آخر الأمر الخ. . .)

فنرى من ذلك أنه جعل الله والحياة شيئاً واحدا، وبعد أن وصف هذا الشيء بأنه أساس الوجود وبأنه هو الخالق وهو الذي عيّن الحياة درجاتها ومراحلها وخلق لها أعضاءها ووظائفها، وسخر لها المادة تسخيرا، عاد فجعل هذا الشيء الذي هو الحياة، وهو الروح، وهو الله، خاضعا لقيود المادة، وأنه يجاهد ليتخلص منها. وهذا لعمر الحق تناقض لا يقبله العقل ولا يقول به أحد.

إنه لا بد من أحد أمرين: فأما أن تكون الروح هي الأصل في الوجود والمادة طارئة عليها أو العكس، فإذا كانت الروح هي الأصل (كما ذهب الأستاذ إلى ذلك وبرهن عليه) فلا ريب في أن هذه الروح مستقلة الإرادة مالكة لتمام حريتها، وأن وجودها لذاته لا يحتاج في قوامه

<<  <  ج:
ص:  >  >>