إلى شيء، وانه مطلق. فليت شعري ما هي العوامل التي جاءت بعد ذلك وأخضعت الروح للمادة الطارئة وقيدتها بأغلالها وأصفادها؟. أما إذا كان العكس أي إذا كانت المادة هي الأساس، فهذا ما لا يسعنا فرضه، لأن النظرية لا تقول بذلك، بل أنها قامت على هدم هذا الأساس، وقد نجحت في ذلك نجاحا باهرا، حتى لا يكاد يوجد الآن من يقول به.
وعلى هذا يكون الغرض الأول (وهو أساسية الروح واستقلالها عن المادة وتسلطها عليها) هو الواجب التسليم به، ولا يكون ثمة معنى لارتباط هذا الروح بالمادة ارتباط خضوع، ثم لا أدري ماذا يريد الأستاذ بقوله: أن الله أو الحياة يجاهد ليتخلص من قيود المادة. فإذا فرضنا أنه نجح (كما توقع هو ذلك) فماذا يكون بعد نجاحه؟ وأي حالة يصبح عليها؟ أهي شيء غير استقلاله بذاته ونيله حريته التامة؟ ولماذا لم يكن ذلك من الآن بل ومن قبل ما دام هو الأساس في الوجود؟
أما اعتباره الحياة كائناً مستقلاً ذا شخصية موجودة تدافع وتناضل عن نفسها فما ذلك الا وهم، لأن الحياة أمر معنوي لا يقوم الا في الذهن وليس له وجود في الخارج، وكذلك سائر المعاني الكلية مثل العلم والإرادة والقوة فأنها لا توجد في الخارج، بل الذي يوجد منها إنما هو أفراد موصوفون بالحياة أو العلم أو الإرادة أو القوة، وذلك مبسوط في كتب المتكلمين والمناطقة فلا حاجة للتوسع في شرحه هنا؛ وإذا كان المر كذلك فما هي تلك الحياة التي يقول بوجودها وأنها هي الله؟ مع أننا لا نرى الا أفراداً من الأحياء سواء أكانوا من نوع الإنسان أم الحيوان أم النبات، وفي غير أفراد هذه الأنواع لا نرى للحياة وجودا.
الحقيقة أننا لا يمكننا إساغة النتيجة التي انتهى إليها حضرة الأستاذ الباحث بالصورة التي هي عليها، ولا يمكن التوفيق بينها وبين المقدمات التي وضعت بين يديها. فدفعا لهذه الإشكالاات، وتخلصا من هذه المتناقضات، يجب أن نضعها على النحو الذي يحكم به العقل والمنطق، بل الذي تقضي به البديهة: وهو أن نميز الروح التي قلنا إنها أساس الوجود، وأنها تخلق وتدبر من الروح المخلوقة والخاضعة لقوانين الوجود ونواميس المادة، ثم نميز كذلك هذه الروح المخلوقة والتي لها صفة الحياة من المادة المائتة، ونعتبرهما متباينين في الجوهر وفي درجة الوجود، وبعبارة أخرى تكون النتيجة هكذا:
إن للعالم روحاً هي أساس وجوده، وهذه الروح موجودة لذاتها لا عن شيء آخر، ولا لعلة،