إننا - علم الله - لنشعر بالتياع حزاز في قرارة النفس إن لم تؤآتنا الفرصة للجهر برأينا في أدب المغفور له الأستاذ مصطفى صادق الرافعي إلا في هذه الساعة الرهيبة إذ تفجؤنا أنباء وادي النيل بنعي الرجل راحلاً إلى دار الله الباقية، ملقياً عن نفسه هذا العبء الذي كانت تضطلع به في سبيل الله، وفي سبيل الفصحى الكريمة لغة القرآن الكريم، وفي سبيل البيان الرفيع اللهجة، العلي النغمة، النبيل المعنى والقصد والأداء. وإننا لنشعر بالألم يشيع في أحناء الصدر أن رزئت دولة الأدب والبيان العربي هذه الرزيئة بفقد علم خفاق من أعلامها لم يطل به عهد الجهاد في سبيلها، ونكسته يد القدر قبل أن يؤدي رسالته العالية، وإن هي إلا الرسالة التي تنتظرها الروح العربية الناشطة من عقال الخنوع والاستعباد، والنهضة الإسلامية الطالعة اليوم من كل فج وواد؛ بل هي الرسالة التي تتحرق الإنسانية كلها شوقاً إلى سلسلها العذب وخمرتها العلوية الخالدة؛ فلقد كان الرافعي الراحل كياناً أدبياً شامخ السمك رفعته يد العناية في هذا الجيل ليبث فيه عبق الفصاحة العربية التي أسنت في آنية الزمن حتى كادت تستحيل على أسلات الأقلام الناشئة المتأدبة في هذا العصر ريحاً غريبة ما تكاد تتبين فيها نفحة العروبة أو عذوبة الضاد، أو شمائل الأجداد. ولقد كان الرافعي الراحل كلمة إسلامية جامعة تتلخص بالدعوة الصارمة الصارخة الصادقة إلى فضائل الإسلام في زمن كادت تتقلص فيه عن هذه الأرض الواسعة ظلال الفضيلة وخلائق الخير ومثل الإنسانية العليا. ولقد كان - إلى هذا - فكراً تتدفق في مطارحه أشعة الحقائق الإسلامية، وقلباً يطفح بفيوض الإيمان بعبقرية هذا الدين الحنيف، فكان من أجل هذا وذاك أنطق ناطق في التعبير عن (الإشراق الإلهي) الذي يطفو على وجه هذه الشريعة السمحة الغراء في كل قضية من قضاياها التشريعية أو الروحية العبادية الخالصة؛ وكان من أجل هذين أيضاً أبرع بارع في تفسير (النبوة) على ما يريد الله منها في بعث الرسل إلى الخلق وبث النبوات في الكون؛ وكان أقوم لسان في حكاية (فلسفة الإسلام) على وجهها الذي ينبغي أن ندين الله به.