هذا هو الرافعي في أدبه من الوجهة الروحية كما فهمته في جملة ما قرأت له من كتب ومقالات؛ ولاسيما هذه المقالات التي كان يكتبها (للرسالة) في المناسبات الإسلامية التي جرت (الرسالة) على الاعتداد بها، وعقد الفصول حولها، وتخصيص بعض الأعداد لها؛ ولكن المصيبة في أمر الرجل أن الجيل الناشئ يتجافى عن أدبه، وينقبض عنه انقباضه الهازل اللاهي السادر في هزله ولهوه، إذا ما جئته بالأمر الجد ولوحت له بشأن من الحق. ولعل كثيراً من المؤمنين بعظمة الرافعي من هذه الناحية ما كانوا يستطيعون الجهر بإيمانهم هذا خشية أن يرميهم جمهرة من الناس لها شأنها في هذا الجيل بهذه الرمية التي اتخذت سبيلاً إلى غل الأفكار عن البوح بما تفكر فيه، هذه هي ما يسمونها (الرجعية) كما اتخذ غير هذه الكلمة سبيلاً إلى ذلك عند جمهرة أخرى من الناس لها شأنها كذلك، تلك هي ما يسميها الجامدون (هرطقة) أو (كفراً)، أو (عصرية). . .؛ والويل لنا من هاتين الفئتين. . .
أما رأيي في أدب الرافعي الذي فصل الموت بين عالمنا هذا وبينه في عالم الآخرة - أما رأيي في أدب الرجل من الوجهة الفنية، فهو رأي كونته لنفسي منذ بدأت (الرسالة) تنشر له أدبه، وقد كان قبل ذلك يشرف على الناس من كوة ضيقة؛ وكان يتلهى في الأدب تلهياً، وكان يعبث فيه عبثاً؛ وكانت الفصاحة اللفظية كل همه فيما ينشئ من مقالات أو كتب أدبية، وكانت الصناعة الظاهرة والزينة والبهرج كل ما يطمح إليه. وقد كنت أرغب عنه يومئذ كما يرغب عنه اليوم كثير من ناشئة المتأدبين وقراء الأدب؛ وقد انقطعت عن قراءته من أجل ذلك زمناً؛ ثم قامت في مصر مجلة (الرسالة) وأقبلنا عليها في كل دار من ديار العروبة، وكانت لي رغبة حينئذ في أن أجدد عهدي بالرافعي، وقد جاءت هذه المجلة الجديدة به إلى حظيرتها فأقبلت عليه بعد موقف قصير ترددت فيه بين عقل مستطلع ونفس تطلب اللذة السهلة الميسورة؛ وما طال عهدي معه في هذا الدور حتى أصلحت رأيي فيه، وكونت لي هذا الرأي في أدبه من الوجهة الفنية. . . هذا الرأي الذي قلت في مستهل الحديث أنني أشعر بالتياع حزاز في قرارة النفس أن لم أجهر به إلا في هذه الفرصة الأليمة إذ رحل الرجل إلى دار الخلود الحق
ورأيي هذا في أدب الرافعي هو أن الفصاحة العربية الخالصة وإن كانت أولى مطامحه