للمرأة أثرها البين في كل مجتمع وبالتالي في أدب ذلك المجتمع، بل إن مكانتها في المجتمع وأثرها في الأدب أوضح دليل على مدى رقي الأمة. وأول ما نصادف من فرق بين تاريخي المرأة العربية والمرأة الإنجليزية أن مكانة الأولى تبدأ رفيعة وتظل كذلك حيناً ثم تسير في انحلال مستمر، بينما تاريخ الثانية هو تاريخ رقي مطرد إلى الوقت الحاضر.
كانت للمرأة العربية منزلة سامية وأثر بعيد في حياة الجاهليين والمسلمين في صدر الإسلام زادها الإسلام توكيداً، ويتضح ذلك جلياً في عظائم الأعمال التي قامت بها المرأة في ظهور الإسلام وانتشاره والمشادات التي تبعث ذلك؛ فذاك عصر حافل بأسماء فضليات النساء اللاتي تركن أثرهن في سير الحوادث وفي الأدب، وفي ذلك العصر احترفت المرأة شتى الأعمال كالطب والتدريس في الشرق وفي الأندلس. ومما له دلالته على مكانة المرأة إذ ذاك أن كبار الرجال كانوا يفخرون بالانتساب إلى أمهاتهم وعصبيتهن، وكانوا يلقَّبون بابن هند وابن عائشة وابن ذات النطاقين في مجال التبجيل والمدح؛ وكان للزوجة رأي مسموع، يشاورها زوجها قبل الإقدام على عمل، وآثار ذلك في الأدب عديدة؛ وقد جرت عادة كثير من الشعراء على تسجيل تلك المشاورات في أشعارهم يبدءونها بقولهم:(وقائلة. . .).
ذلك عصر المرأة العربية الذهبي في الأدب، ضربت فيه في الشعر ونقده ومجالسه وفي الخطابة بسهم وافر. وكان في طليعة الأديبات والبليغات بنات الخلفاء والأمراء، ولنقتصر من العديدات اللاتي نبغن في هذا العصر الطويل على ذكر الخنساء وليلى الأخيلية وليلى بنت طريف وعلية بنت المهدي في الشرق، وولادة بنت المستكفي وحمدونة بنت زياد في الأندلس.
فلما اتسعت المملكة الإسلامية واختلطت فيها الأجناس وتكاثرت الجواري واستفحل التسري وفشا الترف واستحل ما حرم من المفاسد، دب دبيب الفساد في المجتمع كله، وأخذت حالة المرأة خاصة في انحطاط شديد مستمر: وهنت رابطة الأسرة، وتنوسيت أوامر الدين التي تعلي مكانة المرأة وحقوقها، وأهمل تعليمها، وشدد عليها الحجاب حتى انفصلت عن عالم الأحياء، فتلاشى أثرها في المجتمع وفي الأدب، فلم يكد يذكر التاريخ اسم امرأة عظيمة