أما مكانة المرأة الإنجليزية في المجتمع فبدأت كما نراها في قصص تشوسر وروايات شكسبير على درجة من الرقي محسوسة: فهي في قصص تشوسر تباري الرجل في الأعمال العامة؛ وفي روايات شكسبير تصوير لنساء على جانب عظيم من القدرة والطموح والسمو. وليس أدل على ارتفاع مكانة النساء في ذلك العهد من قبول الشعب اليزابيث - وهي بعد في حداثتها - ملكة عليه دون تردد، وإيلائه إياها من الولاء ما لم يوله غيرها من الملوك، وإظهارها هي من الحنكة السياسية ما بذت به الفحول. وازِنْ ذلك بما كان من ارتياع الناس في عهد انحطاط المرأة العربية السالف ذكره، حين وليت شجرة الدر عرش مصر، حتى بعث الخليفة العباسي يوبخ أمراء مصر ويتوعدهم بالويل والثبور إن لم ينضحوا ذلك العار، على حين لم يحرّك أسلافه ساكناً يوم ولي نفسَ العرش عبدٌ خصي.
واطرد رقي المرأة الإنجليزية باطراد رقي المجتمع الإنجليزي، وتزايد حظها من التعليم. وفي القرن الثامن عشر زاد التفاتها إلى الأدب وظهرت الصحف فأقبلت على قراءتها، وانصرفت همة بعض كتاب العصر إلى تحسين حالها وتثقيفها وترغيبها في الأدب. وظهرت المنتديات النسائية التي اشتهر به ذلك القرن وكان يجتمع بها رجال الأدب. فلما كان القرن التاسع عشر طفرت حالة المرأة طفرة عظيمة في طريق التقدم الاجتماعي والأدبي بانتشار التعليم العام ومشاركة المرأة الرجل في كثير من الحقوق السياسية والأعمال اليومية، فلا غرو إن تعاظم أثر المرأة في الأدب الإنجليزي، وتدفق إنتاجها في عالمي الشعر والنثر.
ولقد اعترضت هذا الرقي فترة انحطاط في القرن السابع عشر ترجع إلى انتشار الترف والفساد الخلقي اللذين صحبا عودة الملكية الإنجليزية التي كانت لاجئة إلى فرنسا، وهذا شبيهٌ بالترف الذي أدخله الفرس في المجتمع العباسي؛ ولكن بَينما نرى هذا الأخير يستمر ويستفحل حتى يكون فيه القضاء الأخير على الخلق العربي وعلى مكانة المرأة وعلى المجتمع عامة، نرى المجتمع الإنجليزي لا يلبث أن يتحرر من تلك النوبة الطارئة، وينصبُ كبارُ الكتاب - أمثال ستيل وأديسون وجونسون - أنفسهم لتطهير الأدب ورفع مستوى المرأة، وهي حركة عديمة المثيل في الأدب العربي: فبدل أن ينصرف أدباء