العصر العباسي المترف إلى إصلاح كهذا الإصلاح الحميد تهالك شطر منهم على مفسد ذلك العصر واعتزل شطر منهم قليل وتوفَر على نظم أشعار الزهد.
وأثر المرأة في أدب مجتمعها مزدوج: فمنه ما يقوله الرجل متأثراً بوحيها، ومنه ما تنتجه هي ذاتها. وتتساوى المرأة العربية والإنجليزية من جهة الإنتاج في تقصيرهما عن الرجل وضآلة أثرهما في الأدب إذا قيس بأثر الرجل في شتى أغراض القول؛ غير أن المرأة الإنجليزية تفوق العربية في كثرة إنتاجها الأدبي، وكذلك في كثرة ما أنشأ الرجل حولها من أدب، لظروف مساعدة أحاطت بتاريخها وحُرِمتْها المرأة العربية في خير عصورها: من انتشار التعليم العام والطباعة والصحف، ووجود فن من فنون الأدب في الإنجليزية دون لغة الضاد هو القصة.
فالقصة المقروءة أو الممثَّلة التي تدرس المجتمع والنفس الإنسانية سبب كبير من أسباب تكاثر الأدب المكتوب حول المرأة: إذ لا غنى ثمة عن درس المرأة بجانب الرجل سواء بسواء ووصف أعمالها وميولها وأثرها في سير الحوادث، ومن ثم زخرت روايات شكسبير ومعاصريه، وقصص سكوت ودكنز ومريدث وهاردي وإضرابهم بشتى الصور لمختلف عناصر النساء، ومتباين طبقاتهن ومتعدد طبائعهن، وقد حرمت المرأة العربية هذه الدراسة الأدبية حرمانا تاماً.
والقصة من جهة أخرى سبب كبير من أسباب تكاثر الأدب الذي تنشئه المرأة ذاتها، لأنها تلائم طبع المرأة أكثر مما يلائم نظم الشعر الذي هو أشبه بالرجل، لأنه يحتاج إلى فوة وفخامة وشمول نظرة لا تتسق لكثير من النساء. أما القصة التي تدرس الحياة الاجتماعية وتصف لحركات والسكنات وتحصي التفاصيل وتتبع الحوادث، فتجد فيها المرأة خير مجال للتعبير عن خلجاتها ومشاهداتها. زد على ذلك أن للمرأة من لطف النفس ودقة الملاحظة ما يمكنها من فهم الآخرين والأخريات والإلمام بنوازعهم ومراميهم، وفضلاً عن هذا وذاك تستطيع المرأة في القصة أن تعبر على لسان غيرها عن نزعات الحب وأطواره تعبيراً لا يُستساغ منها إن أرسلته شعراً.
لذلك كله لم تكد تظهر القصة وينتشر التعليم العام حتى نبغ في القرن الماضي جمهرة من كبريات القصصيات بارين كبار قصصي العصر الحديث، وفي مقدمتهن جين أوستن