(رسول الحرية إلى قومه، المجاهد الذي أبلي في جهاده مثل
بلاء الأنبياء)
للأستاذ محمود الخفيف
(تتمة)
ود مازيني لو أنه استطاع أن يجعل للأدب من وقته أكثر مما جعل له، ولكن مشاغل السياسة حالت بينه وبين أمنيته؛ وكان منذ عودته إلى لندن بعد ثورة عام ١٨٤٨ يوجه أكثر همه إلى الأدب الإنجليزي، وقد أكب على دراسة حياة الشاعر الإنجليزي العظيم اللورد بيرون الذي أحبه أشد الحب لأنه الشاعر الذي هز القلوب وأيقظ المشاعر بأناشيد الحرية والقوة، ولأنه ذلك الروح المتمرد على الطغيان والاستبداد، ثم لأنه لم يكن رجل الفن الذي يجلس في معزل عن عصره يتغنى بالجمال ويستغرق في الفن استغراق الصوفي المسحور، بل كان الرجل الذي كانت أغاني قيثارته صدى لآلام عصره وأحلامه، والذي ذهب إلى حيث لاقى الموت في مناقع مسولنجي في سبيل الدفاع عن حرية اليونان.
وجعل مازيني يوحي مبادئه إلى كل من يلاقيهم، يريد بذلك أن يكسب لقضية إيطاليا أكثر ما يستطيع من الأنصار؛ ثم أنشأ عام ١٨٥١ جمعية أصدقاء إيطاليا لهذا الغرض وسرعان ما انتظم في صفوفها كثير من ذوي المكانة من الإنجليز، وفتحت لها بعض الجرائد الذائعة أبوابها؛ فكانت من أكبر وسائل مازيني في الدعاية عن قضية وطنه. وكان لهذا الرجل أن يفخر يومئذ بأنه أدى إلى بلاده من جليل الخدمات ما لم يؤد مثله رجل غيره، بل لقد كان له أن يفخر بأنه أدى إلى الجليل كله ما يجعله في مصاف قادته ويسلكه في سجل القلائل الأفذاذ الذين يباهي بهم تاريخ أوربا.
لقد ملأ قلوب المستنيرين في إيطاليا كلها بمعاني الوطنية والحرية ولقنهم مبادئ الديمقراطية وسيادة الشعوب، ونشأ الجيل كله في إلهامه، فما من رجل من رجل السياسة وقادة الرأي في الولايات جميعاً إلا من تأثر بتعاليم هذا المجاهد العظيم؛ ولئن كان فيهم من