يخالفه في الوسيلة، فما كانت الغاية التي يعمل على بلوغها إلا أنشودة كل وطني حر.
على أنه وجد البلاد تتأثر بعد فشل حركات سنة ١٨٤٨ بسياسة بيدمنت، تلك السياسة التي كان يمثلها كافور، ذلك السياسي الفذ الذي يعد في حركة إيطاليا رأسها المفكر؛ وكان كافور ومازيني على طرفي نقيض؛ إذ كان أولهما رجل لعمل الدبلوماسي الرشيد الذي يتحين الفرص ويسير إلى غايته في حذر وبطء، ولكن في وثوق، والذي جعل خطته تقوية بيدمنت أولاً، ثم دفعها إلى الحرب متى آنس فيها القوة ووجد لها الفرصة؛ وكان ثانيهما الزعيم الثائر الذي لا يفتأ يدعو البلاد إلى العصيان والتمرد لتبقى شعلة الجهاد متوهجة، وتظل نار القلوب متأججة، فلا يركن الشعب إلى القعود، فينسى تلك الغاية التي تهيب بالرجال وتشد عزائم الأعزال وتوحي إليهم اليأس والاستبسال. وضاق الرجلان أحدهما بالآخر، وكان كل منهما حرباً على صاحبه؛ وهذا مما نعده على مازيني الذي وضع إصبعيه في أذنيه تلقاء كل دعوة إلى مشايعة أنصار بيدمنت وتعضيدهم، والذي اعتبر كل قاعدة غير الوحدة والاستقلال مروقاً وإلحاداً في مبادئ الوطنية ودين الحرية. . . وليت شعري ماذا كان يضيره لو أنه عضد كل حركة تقرب البلاد من غايتها؛ على أنه لم يقف عند هذا الحد، بل لقد أخذ يدعو إلى الجمهورية ضد الملكية، جاعلاً بمسلكه هذا تلك المسألة الثانوية مقدمة على المسألة الرئيسية مما أضعف دعوته وزاد الناس إقبالاً على كافور وسياسته.
وكذلك أخذ كثير من الناس يعيبون على مازيني اتخاذه الثورات وسيلة إلى تحقيق آماله؛ وعابوا عليه أكثر من ذلك تدبيره مؤامرات الاغتيال، ولكنهم كانوا في ذلك يرمونه بتهمة هو منها براء، وقد رد مازيني على متهميه بأنه يرى الثورات ضد الغاصب المسلح وسيلة شرعية، أما الاغتيال فإنه يعده جريمة إذا أريد به الانتقام أو إذا أدى إلى القضاء على شخص لا يذهب الاستبداد معه إلى القبر؛ وكأنما كان يبرر اغتيال من يموت بموتهم الظلم؛ يتجلى ذلك في رده على اتهام كافور إياه بأنه يدبر مؤامرة لاغتيال الملك فكتور عمانويل، قال مازيني:(إن حياة الملك في مأمن وذلك لسببين أولهما أخذه بقواعد دستورية في حكمه، وثانيهما أنه ليس ثمة من جدوى لهذه الجريمة).
على أن مازيني لم يعبأ بما يقول مخالفوه وما فتئ يترقب الفرص لإثارة الثورات من جديد؛