وكما أجاد المسلمون فن الخط، فقد بلغوا في الزخرفة شأواً بعيداً أقل ما يشهد به أن كلمة (الأرابسك) علم - في تاريخ الفن - على نوع معين من الزخرفة ابتدعه الفنان المسلم. حقاً إنه لم يبتكر وحدات زخرفية جديدة بل استعمل ما وجده بين يديه من مخلفات الفنون السابقة على الإسلام، إلا أنه لا سبيل إلى إنكار مقدرته في طريقة رسم هذه الوحدات الزخرفية وتوزيعها والتأليف بينها وتنسيقها تنسيقاً يجعلها تبدو كأنها اخترعت لأول مرة وما هي كذلك، ولكنه صهرها في بوتقته ومزجها بفلسفته وسلط عليها أشعة عبقريته فخرجت من بين يديه فناً جديداً لا يخفى عليك أصله ولكنك لا تستطيع أن تنكر عليه شخصيته القوية الواضحة
لم يخترع أشكالاً هندسية جديدة، ولكنه بالغ في تقسيمها وتحليلها، نراها تارة متشابكة، وأخرى متداخلة، وأحياناً متلاصقة وأحياناً متباعدة، حتى ليصح لنا أن نقول في اطمئنان إنه بعث في هذا النوع من الزخرف روحاً من لدنه فبدا في ثوب من الجمال قشيب لم يكن له قبل الإسلام
ولم يبتكر وحدات نباتية أو حيوانية بل رسم الأزهار والأشجار والأوراق والسيقان، والطيور والحيوان بعد أن حورها تحويراً كادت معه أن تفقد شخصيتها كوحدات نباتية أو حيوانية، ولكنها وإن بعدت عن الطبيعة فقد دلت على سعة خيال مبدعها وصفاء قريحته
ونفر من الفراغ، وكره أن يرى سطحاً عاطلاً من الزخرف فكرر الوحدات الزخرفية المذكورة تكراراً يمكن أن يستمر دون أن يقف عند حد
وهذه المظاهر الجديدة إتقان الزخرفة الهندسية، وتحوير العناصر النباتية والحيوانية، وتكرار الوحدات الزخرفية، والنفور من الفراغ، هي في الغالب نتيجة لبعض توجيهات في الدين الإسلامي: فقد كان التصوير - وسنتحدث عنه فيما بعد - أمراً غير مرغوب فيه عند كثير من المسلمين نظراً لما حام حول مزاولته من شك، فانصرف نشاط الفنانين إلى نواحي أخرى؛ ولعلهم كانوا متأثرين في بعض ما اتجهوا إليه بما روي في صحيح لبخاري (كتاب البيوع) عن سعيد بن أبي الحسن إذ يقول: (كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما