منحت الأكاديمية الفرنسية جائزة الأدب الكبرى للكاتب الشاب هنري دو منترلان، فارتفع بذلك اسمه إلى مصاف أكبر الكتاب الفرنسيين المعاصرين، وتنبهت الأذهان إلى الطابع المخصوص الذي يمتاز به أدبه كفن من فنون القصة الفرنسية الحديثة:
وهنري دو منترلان كاتب من كتاب الشباب الذين تفتحت عيونهم على ضوء هذا القرن العشرين. ولد عام ١٨٩٦، ودخل مدرسة سانت كروا دو نوبيي. ولما شبت الحرب الكبرى خرج من المدرسة ليشترك فيها وجرح جروحا بليغة. وكان طبيعياً أن يعود منترلان وقد ملأت نفسه نزعة التشاؤم والثورة، فقد هجر مدرسته ليخوض غمار المجزرة البشرية الكبرى وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، فعانى فيها أشهرا من الحرمان والتضحية لم يجد لهما مبرراً أمام عقله الذي يفكر وقلبه الذي يحس، كما يفكر ويحس كل أديب فنان ينزع نحو مثل عليا في الحب والرحمة والأخاء
عاد منترلان من الحرب ضائع العزم محطم الآمال. وكان استعداده الأدبي قد ابتدأ يتفتح على ضوء تجاربه ومحنه السابقة، فانصبت آلامه وثورته في أدبه تلمسها من بين خفايا السطور، وكانت إنسانيته الحزينة تدفعه - كغيره من كتاب الشباب الذين خاضوا غمار الحرب - لوصف أهوالها وما جرته وراءها من التدهور الأخلاقي والفكري. كذلك فان (أنانية الفنان) التي تغمره كانت تأبى عليه أن يضحي بشيء دون أن ينال على تضحيته جزاء يبررها ويلتمس منه العزاء. لذا لم يغفر منترلان لأمته وللمجتمع تضحيته الكبيرة حين جرفته العاطفة الوطنية كغيره دون وعي إلى ميدان القتال ليتعذب شر عذاب وبعود جريحاً بين الحياة والموت فاقد الأمل في إتمام حياته المدرسية.
ولقد كان هذا الشباب المعذب دافعاً لهنري دو منترلان إلى أن يهيم بتلك السن التي ضحى وتألم فيها، فأصبح يمجد سن الشباب (تلك السن - كما يقول - التي لا تعترف بجميل. سن