استوقفني في كتاب (زهرة العمر) قول الأستاذ توفيق الحكيم: (إني أعيش في الظاهر كما يعيش الناس في هذه البلاد، أما في الباطن فما زالت لي آلهتي وعقائدي ومثلي العليا. كل آلامي مرجعها هذا التناقض بين حياتي الظاهرة وحياتي الباطنة.)، وقد أثارت في نفسي هذه العبارة تلك المشكلة الخطيرة المتعلقة بوحدة الطبيعة الإنسانية في الفرد: فإن الرأي الشائع بين الناس أن في النفس وحدة قوامها التآلف والانسجام، على حين أن التجربة الباطنة تشهد بأن النفس الإنسانية مزدوجة قوامها التناقض والاختلاف. والواقع أن الإنسان (نسيج من الأضداد): كما قال رينان؛ فإننا كثيراً ما نشعر بأن ثمة نوازع متعارضة تتجاذبنا، وكثيراً ما نعاني صراعاً عنيفاً يقوم بين النفوس المختلفة التي تتقاسمنا. ولا ريب أن فرويد كان على حق حين قال إن شخصية الإنسان تتركب من: النفس الشعورية (أو الذات) وللاشعورية: والنفس العليا فإن التناقض الذي طالما يشيع في أقوالنا وأفعالنا، مرجعه إلى أننا لا نصدر في جميع الأحوال عن نفس واحدة: إذ أننا في تصرفاتنا العادية نصدر عن النفس الشعورية، وفي نزعاتنا ورغباتنا المكبوتة نصدر عن اللاشعور. وأما في مثلنا العليا ومعاييرنا التقويمية، فإننا نصدر عن النفس العليا. ولعل هذا هو السبب فيما نراه من أن بعضاً من المجرمين الذين تحجرت في نفوسهم الطبيعة الخيرة، قد يتناقضون مع أنفسهم في بعض الحالات: فيندفع اللص الذي يستلب الناس أموالهم، إلى العطف على فقير معدم، وينساق القاتل الذي يسترق الناس أرواحهم، إلى الأخذ بيد شيخ هم محطم. ولعل هذا أيضاً هو السبب فيما قاله رينان عن نفسه في كتابه:(ذكريات الطفولة والشباب): (أن شخصيتي مزدوجة؛ فقد يضحك مني جانب، في حين يبكي الجانب الآخر) ; '
زكريا إبراهيم
إلى الدكتور عبد الوهاب عزام
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد فقد قرأت مقالتيكم النفيستين (في المسجد الأقصى) المنشورتين في الرسالة عدد ٥٣٨ و٥٤٠، وقد استوقف نظري في مقالتكم الثانية في العدد