أذكر يا سيدي أني كتبت إلى معاليك يوم سموت إلى منصب الوزير ورتبة الباشا كلمة صادقة صريحة في هذا الموضع من (الرسالة) قلت فيها: إذا كان غيرك قد وصل بالأدب من غير خلق، أو بالصحافة من غير أدب، أو بالسياسة من غير صحافة، فإنك لم تصل إلا بهذا الأدب الشامل الذي يشرق فيه وميض الروح، ويسيطر عليه نبل النفس؛ لذلك نعدُّ بلوغك هذه الغاية من المجد انتصاراً للأدب المجاهد، وترضية للقلم المجهود، وتمكيناً للفكر الجميل أن يؤدي رسالته في عالم أوسع وعلى طريق أسد؛ ولذلك نجعلك من بين الوزراء الصلة الطبيعية بيننا وبين أولي الأمر، فقد قطعوا أسبابنا الواصلة، وسَفِهوا حقوقنا المعلومة، واعتقدوا أننا حِليّ تزين ولا تنفع، ودُمىً توجد ولا تعيش. . .
وأذكر يا باشا أنك كتبت إلي على أثر هذه الكلمة الطيبة كتاباً رقيق العبارة كريم العاطفة صريح الوعد بأنك ستكون وليّاً للأدباء ونصيراً للأدب.
ثم أذكر أنك وأنت عميد الصحافة المعارِضة كتبت في (نزاهة الحكم)، وخطبت في (الحكم الصالح) مقالات سماوية وخطباً مثالية لا تزال فِقَرِها وحججها ترن في أذن الحكومة وتجري على لسان المعارضة
أذكر كل أولئك يا باشا وأنسى أنني طلبت الإِذن على معاليك فلن أنله، وأنني كتبت إليك كتاباً فيه بعض العتب فلم تقبله؛ ثم أنسى أنني سمعت بعد ذلك أنك لم تُرِد إنصاف (الرسالة) وقد سألتك إياه، وأنك محوت أسمى من مشروع (المجمع الأدبي) وقد كان فيه. نعم أنسى كل ذلك يا باشا لأن هذه المعاني البشرية لا تلبث أن تموت أو تضعف في خاطر رجلين: الوزير لأنه ينفذ أمر الملك، والقاضي لأنه يعلن حكم الله. وولي الأمر أو ولي القضاء متى شعر أنه مظهر الإرادة العليا أخذته حال من السمو الإلهي ترفع النفس وتُرهِفُ الضمير وتُوَثِّق الذمة.
فأنا أتقدم إلى معالي الوزير بشكوى الأدب الحر وأنا مطمئن إلى عدله واثق بجميل رأيه. والأدب الحر يا باشا هو الأدب المجاهد الذي ليس له حزب يحميه ولا منصب يسنده، وشكواه أن الأدب الرسمي بغى عليه بقوة السلطان وحكم الأثرة، فشهد فيه الزور وحكم عليه بالباطل
هذه لجنة إنهاض اللغة العربية - ولا أريد أن أعرض لغيرها اليوم - تألفت بقرار منك