فأصبحت حدودها الموقوتة أداة من أدوات السياسة العليا تنظر بعين المصلح، وتنطق بلسان الوزير، وتحكم بذمة القاضي. ولكنها يا باشا لم ترد أن تخرج عن إطارها الشخصي، فمكنت لنزعات الهوى أن تطير بين آرائها في عمل من أعمال الناس وشأن من شؤون الدولة!
لقد سلكت في اختيار الكتب التي تساعد الطلاب على اكتساب ملكية البيان طريقاً عجيباً إن ضمن فائدة الكاتب لا يضمن فائدة الطالب، وإن قضى حاجة الصداقة لا يقض حاجة اللغة
ولا أريد أن أضرب مثلاً على تجنيها غير ما نالني منها. وأدع لغيري من الذين حكمت عليهم بالإغفال أن يضربوا بقية الأمثال فإن لهم أقلاماً وألسنة
هل تصدق يا باشا أن هذه اللجنة التي ألفتَها من أربعة شيوخ من شيوخ الدين والأدب قد استطاعت أن تحمِل العقل والضمير والفن والمنفعة على أن تلعن كتابين ألفهما جوتة ولامرتين، وترجمهما الزيات، وقدم لهما طه حسين ومنصور فهمي، وطبعهما ونشرهما أحمد أمين، وقرأهما الشبان والشواب في جميع أقطار العروبة ثمانية عشر عاماً لا يرون فيهما غير الخلق النبيل والبيان المشرق والأدب المحض والإلهام المقدس؟
هل علمت يا معالي الباشا أن هذه اللجنة الأخصائية في علوم العربية قد أغفلت كتاباً في صميم الفن أُلف للكتاب والطلاب، وعالج مسائل مبتكرة في تاريخ الأدب، وأضاف قواعد جديدة إلى قواعد الكتابة، وليس في المكتبة العربية اليوم ما يحل محله؟
لقد تساءل الناس في الأندية والصحف عن سر هذه اللعنة، وسبب هذا الإغفال، فأعياهم أن يجدوا الجواب، حتى رد عليهم الأستاذ أحمد أمين عضو اللجنة بما نشرناه وعلقنا عليه في العدد السابق من الرسالة، فانقلبت الأسئلة إلى شكوك وظنون، وراب الأدباء من لجان الوزارة أن يكون هذا مبلغ الحق والعدل، في لجنة عرف أعضاؤها بالنزاهة والفضل، وعجبوا أن يمتهن المنطق رجال المنطق ويظلم الأدب حماة الأدب، وقالوا ماذا عسى يصنع الدهر بلجان الاختيار والتأليف والمسابقة؟
هذا (بلاغي) يا معالي الوزير أرفعه إليك لتحقق ما فيه بعدما قرأتَ في العددين السابقين سؤال السائل وجواب المجيب ورد المتعقب. وصاحب المعالي هيكل باشا غني عن السؤال والجواب والبينة، فإنه بملكته الأدبية يعلم الفن، وبحاسته القانونية يدرك الحق، وبسلطته