للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفلسفة الشرقية بحوث تحليلية]

بقلم الدكتور محمد غلاب أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين

- ١٧ -

المدرسة اليوجية

نشأت هذه المدرسة حوالي القرن الثاني قبل المسيح على أصح الأقوال وسارت في تعاليمها على منهج مدرسة (سامكهيا) ولهذا لم يكن لها في الإبداع الفلسفي شيء يستحق الذكر، وإنما يقدر مجهودها في السلوك العملي الذي بعثته من مرقده بعد أن طغت عليه عوامل أخرى شديدة التأثير. ويتلخص هذا السلوك في الزهادة التامة ومحاولة إنقاذ الروح من سلطان البدن ومحاسبة الإنسان نفسه على مقدار ما حصل عليه كل عضو على حدة من هذا التحرر من سيطرة المادة.

وعندها أن الإنسان مكون من قنوات كثيرة، وأن العلة الوحيدة في أنه لا يصل إلى مبتغاه من المثل الأعلى في الخلوص من الطبيعة هي أنه حين يتزهد لا ينجح في مراقبة جميع أعضائه، وإنما هو يسيطر على بعضها فقط. فالبعض المتروك هو سبب الرسوب في هوى الطبيعة السحيقة والرزوح تحت أنيارها الثقيلة والرسوب في أغلالها الضيقة.

أما من استطاع أن يخلص كليته بتمامها من سلطان المادة، فإنه يصير إلى نهاية المعرفة فينكشف له ما وراء الحجب ويحيط بأسرار الأقدار ويدرك كل ما تجري به أقلام الغيب وتحصل عنده القدرة الكاملة على قهر الزمان والمكان فينطويان أمامه متى شاء وكيف شاء. ويستطيع أن يختفي عن الأعين وأن يتشكل بأية صورة يشاء وأن يشكل جميع العناصر كما يريد، وأن يحيط بمكنونات أفكار غيره، وأن يظهر في عدة أمكنة في نفس اللحظة، فإذا وصل إلى هذه المرتبة فقد حصل على درجة الغيبوبة وتفانى في الكل الأول، وهذه هي عليا درجات الكون أو غاية اليوجية، ولعل ألطف رد على تلاميذ هذه المدرسة هو ما قاله أحد قواد إحدى الفرق الحربية الإنجليزية في الهند حين سمع هذه الميزات التي يعزوها (اليوجيون) إلى مدرستهم، فقال: ساخراً (إني أظن إن زهاد الهنود إن استطاعوا - كما يزعمون - التغلب على الزمان والمكان والاختفاء عن الأعين واختراق حجب الأقدار

<<  <  ج:
ص:  >  >>