للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومعرفة خفايا الأسرار إلى آخر ما يدعون، فإني على يقين من أنهم لا يستطيعون التغلب على رصاص بنادقنا وقذائف مدافعنا).

غير أن نساك اليوجيين قد وجدوا لهذا الاعتراض رداً وهو أن حصول الشخص على الميزة شيء واستعمالها الفعلي الذي ينشأ عنه انقلاب نظام الكون شيء آخر.

ومهما يكن من الأمر، فإن هذه المدرسة تعتبر مثلاً أعلى في التنسك والزهادة وإن كانت تابعة لغيرها في الأفكار والنظريات. ولما كانت تعاليمها المتنسكة تتفق مع طبيعة الهنود وما فطروا عليه من روحانية وميل شديد إلى العزلة، وانعطاف قوي نحو التأمل في أسرار الكون وخفايا الوجود، فقد راجت مبادئها رواجاً عظيماً، واعتنقها خلق كثير، ولا تزال إلى اليوم حية آهلة بالمعتنقين والمريدين.

الفيدانتا

كان هذا المذهب في أول نشأته محصوراً في شرح (الفيدا) وتأويلها وتخريج آياتها المتشابهة، ولكنه بفضل تلك البحوث المستفيضة التي كان زعماؤه يخرجونها حول تلك النصوص العتيدة المغرقة في التعقد أخذ يرتقي شيئاً فشيئاً ويخطو إلى النظر العقلي خطوات واسعة حتى تحول إلى فلسفة نظرية عويصة في عهد (سانكرا) ذلك الفيلسوف العظيم الذي يؤكد الباحثون العصريون أنه لا يقل عمقاً في التفكير ودقة في النظر وغوصاً في بحر الفلسفة المنطقية عن (كانْتْ) و (هيجل) وهما أرقى فيلسوفين في العصر الحديث.

يرى هذا الفيلسوف أن العالم صدر عن الله بطريق الانبثاق، وهو يعود إليه بطريق الجذب، وهذه فكرة قديمة سبق بها الأولون هذا الفيلسوف بزمن بعيد، ولكنها أخذت تتطور بين مباحث هذه المدرسة حتى وصلت إلى حلولية من النوع الراقي، فقررت أن هذا العالم الظاهر ليس هو حقيقة الإله، وإنما هو كائن أدنى محدث، ولكن كل جزئية منه تشتمل على طرف من تلك الحقيقة الإلهية، ولهذا يجب أن يفهم الإنسان أن شخصه الخارجي الذي يشبه غيره في شيء ويختلف عنه في شيء، والذي يولد ويموت ويأكل ويشرب ليس في الحقيقة شيئاً مذكوراً وإنما الذي يجب أن ينظر إليه في شخصه هو الحقيقة الإلهية، لهذا يصح أن يقال له: أنت الإنسان والإله، أنت الخالق والمخلوق، والعابد والمعبود، أنت المشخص و (اللا مشخص). وإذا صرفنا النظر عن الناحية الدنيا فيه، قلنا له: أنت الواحد الأوحد والكل

<<  <  ج:
ص:  >  >>