ولما كانت هذه المدرسة تؤسس تعاليمها على أن عالم الظاهر لا يساوي شيئاً كما أسلفنا، فقد احتقرت المعرفة الظاهرية واستخفت بالتجربة والمشاهدات إلى أبعد حدود الاستخفاف وأعلنت أن المعرفة الوحيدة الجديرة بالإجلال هي معرفة الحق الأعلى أو هي ما كان موضوعها الحقيقة الإلهية، وإنها لا تجيء غلا عن طريق الإلهام البصيري الذي يتوصل غليه بالتنسك والرياضة والخلوص من المادة. وأخيراً أعلن (سانكرا) أنه لا يصل إلى (براهمان) إلا من تحققت لديه المعرفة الكاملة وتخلص من جميع علائق المادة، إذ هو في هذه الحالة وحدها يصل إلى درجة الغيبوبة الكاملة أو التفاني في الله أو السعادة الأبدية.
غير أنه لم يكد يعلن هذه الآراء حتى هب المتعصبون من البراهمة يرمونه بأنه بوذي يتقمص جسم براهمي، أو زنديق يرتدي ثوب متدين، لأن النتيجة الأخيرة التي انتهى إليها مذهبه هي نفس زبدة تعاليم البوذية، ثم جعلوا يحاربون مذهبه بكل ما أوتوا من قوة وسلطان حتى قضوا عليه، وكان ذلك موافقاً بالمصادفة لأوان الفتح الإسلامي، فاجتمع هذان العاملان وتكاتفا على قطع هذه السلسلة الفكرية من تاريخ الهند، وعلى بدء تاريخ جديد يبرز للباحثين اثر الإسلام في تلك الأصقاع على صورته الحقيقية.
خاتمة
الطبيعة - الرياضة - المنطق
لا نريد أن نغادر الحديث عن تلك البلاد إلا بعد أن نقرر في صراحة أن الفلسفة بجميع أقسامها: الإلهية والرياضية والطبيعية قد أزهرت فيها إزهاراً فائقاً، وأن المقدمة الضرورية للفلسفة وهي المنطق قد بلغت في مدارسها الحد الكافي للتفلسف الراقي.
فأما الإلهيات فأحسب أن ما مر بك فيها كاف للتدليل على ما نقول. وأما الرياضة بجميع أقسامها فلم تصل في أي بلد آخر - إذا استثنينا مصر - إلى مثل ما وصلت غليه الهند من رفعة وارتقاء. ويكفي أن نصرح بأن الهنود هم أساتذة (فيثاغورس) اكبر رياضي اليونان على الإطلاق، وهم أساتذة العرب في الحساب والهندسة والفلك، بل إن أرقام الحساب المستعملة الآن في العربية هي هندية الأصل.