أثرت أقاصيص المعارك التي اشتعل أوارها بين المصريين في عصور ما قبل التاريخ في نفوس أبنائهم المصريين المدنيين تأثيراً دفعهم إلى تحوير هذه الأقاصيص الاجتماعية إلى أساطير دينية فزعموا أن (أوزيريس) - وهو إله الإنبات والخصوبة وبالجملة إله النيل - قد استعان بأخته وزوجته (إيزيس) إلهة الحكمة والتشريع والسحر ورمز الوفاء والإخلاص، وبوزيره (توت) إله العلم والتدبير وبعض الآلهة الآخرين على تكوين مملكة إلهية عظيمة في مصر. وكان لهذا الإله أخ وهو (سيت) إله الشر والقحط والاجداب فحقد عليه من أجل هذا الجلال الباهر الممثل في مملكته العظيمة الصافية، ولأنه لا يستطيع مجابهته وجهاً لوجه رهبة منه وفرقاً أمامه، فقد غدر به إذ احتال عليه بحيلة شيطانية حتى أدخله في تابوت كان قد صنعه خصيصاً لهذه الخديعة بحجة إنه يود أن يعرف سعة هذا التابوت، ثم أقفله عليه وقذف به في النيل فحمله التيار إلى المصب وسلمه إلى البحر الأبيض فحمله هذا البحر من المصب إلى (بيبلوس). وفي أثناء ذلك افتقدته زوجته الوفية فلم تجده، فأدركت ما حدث له، فصممت على أن تفتش عنه حتى تعيده إلى الحياة وإلا لحقت به، وظلت تجهد نفسها في البحث عنه حتى عثرت عليه وأعادته إلى الدلتا وقبل أن تتمكن من فتح التابوت فاجأها (سيت) وتغلب عليها بقوته ثم مزق جسم أخيه أشلاء عددها اثنان وسبعون شلوا، ألقى بكل شلو منها في مقاطعة من مقاطعات مصر، وكان عددها إذ ذاك يساوي عدد هذه الأشلاء، فلم يفت ذلك في شجاعة إيزيس ولم يضعضع من عزيمتها، بل ثابرت على جمع هذه الأشلاء المتناثرة حتى استكملتها ووضعت كل واحد منها في مكانه الطبيعي، ثم تلت عليه بعض ما تعرفه من الرقي والتعاويذ السحرية، فعاد إلى الحياة،