للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكنها حياة لا تشبه الحياة الأولى، فلم يلبث على الأرض إلا بقدر ما أنسل (هوروس) ثم غادرها واستبدلها بمملكة الأموات العظيمة حيث أصبحت مهمته محاسبة أهل الدنيا ووزن أعمالهم وإصدار الأمر لهم أو عليهم بالنعيم أو بالجحيم

وقد استخلف على مملكة الدنيا من بعده ابنه (هوروس)، ولكن (سيت) عاد إلى مشاكسة هذا الإله الشاب من ناحية القانون فأعلن انه ليس ابن (أوزيريس) لأن (أوزيريس) قد مات منذ عهد طويل، ولأنه من غير الممكن أن ينسل في هذه الفترة الوجيزة التي عاد فيها إلى الحياة على الأرض. وإذاً فليس للعرش الإلهي وارث شرعي إلا هو. وقد رفع بهذه الدعوى قضية أمام محكمة الآلهة فهبت (إيزيس) تدافع عن شرفها، و (هوروس) يثبت بنوته من (أوزيريس) ثم استشهدت الزوجة المتهمة والابن المجحود بالإله اللبق الفصيح (توت) فشهد بشرف الوالدة وشرعية الولد فحكمت المحكمة بالعرش المقدس لذلك الإله الشاب

ومما يلفت النظر في هذه الأسطورة الشيقة هو أن (إيزيس) أثناء طيرانها للبحث عن أشلاء زوجها بكت حزناً عليه فسقطت من عينها دمعة فوق النيل فزاد لساعته، وكان ذلك في شهر بوونة، فظل النيل يزيد في هذا الشهر من كل عام إلى اليوم. ومن الغريب أن يوم بدء هذه الزيادة يسمى في أرياف مصر إلى الآن بـ (يوم النقطة) أي نقطة الدمع التي نزلت من عين (إيزيس). فأنظر كيف أن هذه الثمانية آلاف سنة لم تستطع أن تمحو هذه الأسطورة من صحائف الوجود؟!

روت بعض الأساطير المصرية الأخرى قصة (أوزيريس) و (هوروس) على نحو يخالف ذلك، ولكن هذه الرواية هي أصح الروايات أو بالأحرى هي أكثر الروايات تنسيقاً على نظام الحقائق

ومهما يكن من شيء، فإن أهم الملاحظات العظيمة القيمة في هذه الأسطورة هو أن روح القانون والأنظمة الشرعية كانت سائدة في مصر سيادة تامة حتى في عهود ما قبل التاريخ، ولولا ذلك لما طلب (سيت) عزل (هوروس) عن العرش بحجة إن بنوته من (أوزريس) لم تثبت، ولأن موته سابق على مولد هذا الإله الشاب بزمن طويل. ولولا سيادة هذه الروح القانونية أيضاً لما اضطرت (إيزيس) إلى الاستشهاد بـ (توت) على براءتها وشرعية ابنها وأحقيته في العرش.

<<  <  ج:
ص:  >  >>