ويجمع على هذه الملاحظة كل العلماء الباحثين ويعدونها برهان رقي الحياة الاجتماعية والسياسية والعقلية وإن كانوا يختلفون في موضوع القضية الواردة في الأسطورة فيذهب البعض إلى تأييد الرأي الذي ذكرناه آنفاً، وهو إن الغاية من القضية كانت إثبات بنوة (هوروس) من (أوزيريس) بوساطة زواجه من أخته (إيزيس) ويرجعون زواج الاخوة بأخواتهم عند قدماء المصريين إلى هذه الأسطورة التي يقول البعض: إن (إيزيس) قد ادعتها لتبرر بها موقفها بعد أن ولدت (هوروس) من ناحية، ولتمكن ابنها من الصعود إلى العرش بوسيلة شرعية من ناحية أخرى.
ويؤكد البعض الآخر من الباحثين أن القضية التي أقامتها (إيزيس) أمام محكمة الآلهة لم تكن لإثبات بنوة (هوروس) من (أوزيريس) وإنما قصدت بها إثبات حق ابنها (هوروس) في العرش بحجة أنه ابنها هي، وهي أخت (أوزيريس) الإله الراحل، لأن احترام المصريين القدماء للمرأة كان يجعل الوراثة عن الخال أمراً محققاً؛ ولكن الذي لاشك فيه هو أن هذه الأسطورة على وجهيها تشهد بالشوط البعيد الذي كانت مصر قد قطعته في المدنية حتى في عصر ما قبل تكوين المملكة الأولى.
ظل ذلك النزاع الذي احتدم لهيبه بين (هوروس) وعمه أو خاله (سيت) إله الشر والغدر رمزا لتلك الحروب العديدة التي كانت تقع من حين إلى آخر بين رؤساء مقاطعات الوجهين القبلي والبحري زمناً طويلاً تطورت بعده إلى فكرة أجرأ من الرمز، وهي أن كلا من الرئيسين المتحاربين أصبح يمثل أحد ذينك الإلهين المتنازعين، ومازال هذا شأنهم حتى هب ذلك الفرعون العظيم (مينيس) أو (مينا الأول) فكان أكثر جرأة وأعظم صراحة، فأعلن في غير مواربة أن الإلهين كليهما قد حلا في جسده، وأن جسمه يشتمل على الجوهر الأساسي أو روح القدس للإلهيين جميعاً، وأنهما لهذا قد استخلفاه على ذلك العرش السامي الذي طالما كان موضع نزاع بينهما، وأنه حين يضع فوق رأسه تاج الوجهين: القبلي والبحري ويضمهما تحت إمرته في شيء عظيم من الحزم لا يزيد على كونه منفذاً فعلياً لأمر الإلهين.
وقد تم له ما أراد، إذ أصبح إلهاً حياً جامعاً بين القوتين اللتين ظلتا متفرقتين إلى عهده. ومنذ هذا العصر أطلق على (مينا) وأعقابه اسم الإله أو مليك القطرين أو اسم: (هوروس)