في ورقة منفصلة بين مخلفات (بتهوفن) وجدت هذه الأسطر الدامعة: (الحب، ليس غير الحب، هو وحده الذي يستطيع أن يجعل حياتك سعيدة. آه يا إلهي، دعني أجدها أخيراً، تلك التي في مقدورها أن تدعم فضائلي، تلك التي قد سمح لي أن تكون زوجتي)
ومات بتهوفن ولم يسمح له. أترى الطبيعة عدوة الفنان، تضن عليه بما تمنحه للآخرين؟ نعم. إنها لتقسو عليه، وإنها لتغار منه أحياناً وتقول له في لغتها الصامتة البليغة:
- أنت تطلب ألي أنا أن أمنحك الحب؟ لا، إني أمنحه كل الناس إلا أنت. إني أمنحه أولئك المساكين الذين لا يستطيعون أن يخلقوا شيئاً؛ أما أنت فتستطيع أنت نفسك أن تخلق (الحب). إنك مثلي عبقرية خالقة. كل عملك في هذا الوجود أن تصنع (الحب) وتمنحه الناس.
وهكذا تتخلى الطبيعة غالباً عن الفنانين العظام، وتتركهم يبحثون سدىً عن السعادة فلا يجدونها كما يجدها الآخرون ملقاة كالفاكهة الناضجة ساقطة تحت الأشجار. إنما هي شيء بعيد، كلما مدوا إليه أيديهم ابتعد عنهم وتركهم يائسين. عندئذ ينكبون طول حياتهم على كنوز نفوسهم وحدائقها اليانعة يستخرجون منها للناس فاكهة من ذهب وفضة، تقصر الطبيعة أحياناً عن تقديم مثلها. ولكن الطبيعة تنظر إلى الفنان نظرة التشفي مع بسمة السخرية
- أفهمتني الآن، وعلمت أن كلينا يعيش في الحرمان، وأن سر وجودنا أن نعطي ولا نأخذ؟
فيقول لها الفنان في نبرة ألم:
- نعم، ولكنك أنت الطبيعة. أما أنا فآدمي مسكين. إنك لا تتألمين، أما أنا فأتألم؛ إذ أرى الحياة تزول من تحت قدمي، ولم يسمح لي بحظ قليل من الهناء الذي يسخى به على الآدميين!
على الآدميين؟ ومن قال إنك منهم؟ عندما وضع على منكبيك رداء (العبقرية والخلود خلع عنك في الحال بعض خصائص الآدميين!