ساقت هذه الفلسفة الجديدة: فلسفة المعرفة، جماعة المتصوفين إلى تقرير نظرية جديدة هي نظرية (الحق واحد وأن تعددت مظاهره) ومادام الإنسان يتوصل إلى الحق فلا حاجة للأصفياء بالرسل والأنبياء. يقول أحدهم وهو السيد قاسمي الأنوار:(قبل أن تبنى الخانقاه، وقبل أن تنشأ أديرة السومنية التي هي أقدم أديرة الكون، كنت معي في أطوار الكائنات. فدرجة الأنبياء قد ارتفعت من بيننا؛ إذا ما دمنا مجتمعين دائماً فما هي الفائدة من الرسل إذاً.
ومتى توصل الإنسان إلى معرفة (حق اليقين) الذي هو الفناء المطلق تساوت الدرجات وأصبح المعلوم واحداً وتجلت الغاية من الأديان عموماً. فالأديان على اختلاف درجاتها تقصد غاية واحدة وهدف معيناً، هو التوصل إلى معرفة الله، تستوي في ذلك الصابئة واليهودية والنصرانية والإسلامية كما جاء:
عبادتنا شتى وحسنك واحد ... وكل إلى ذاك الجمال يشير
وإلى هذا المعنى ذهب (شمس تبريز) حيث قال: (لست بمسيحي ولا يهودي ولا مسلم). وهذه النزعة الإنسانية التي توصل إليها متصوفة الإسلام هي نفس النزعة الإنسانية التي توصل إليها متصوفة أوربا في القرون الوسطى. ثم المذهب الإنساني الفلسفي الذي تمثل فيما بعد على لسان الفيلسوف (هيردر) وعلى لسان الفلسفة الإنكليزية ثم الأوربية في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر للميلاد.
وهكذا تساوت الأديان فلا فرق إذا بين أن يكون الإنسان مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً. وما دامت غاية الإنسان الاتصال بالله عن طريق المعرفة فالتصوف وحده هو الكفيل بذلك. فعن طريق التأمل بذات الله تتم المعرفة وتنال السعادة الأبدية، أما الأديان والشرائع على رأي نفر من المتطرفين بآرائهم فإنها تحول بين الإنسان وبين معرفة الذات، وتفرق بين اتصال العبد بالرب فهي عامل فتنة وخراب.
وصنف جلال الدين الرومي البشر من حيث معرفة الخالق إلى صنفين: صنف تعلق