لم يكن الإنسان الأول إنسان عقله وتركيبه فقط، بل كان إنساناً تميزه حقائق أخرى كثيرة عرفناها عنه. وإن الأدوات الحجرية التي وجدت عن ذلك الوقت الغابر لا تدل على مدى تفكيره فحسب، بل تدل على ميل للفن والمهارة في الصناعة. وقد وجد المستر داوسون قطعة مستطيلة من العظام المتحجرة شكلتها يد الإنسان القديم له بوظيفة صنعها من أجلها، وتشبه في شكلها شكل مضرب اللعبة المعروف (بالكريكيت) وحالة التحجر ودرجته تماثل تماماً ما وجد في أقدم عصور إنسان البلتداون. وعند فحص هذه القطعة العظيمة اكتشف أنها قد اقتطعت من عظمة فخذ نوع من أنواع الفيلة الضخمة البائدة التي تشبه الماموث كانت تعيش في إنجلترا في أوائل عصر البليستوسين؛ فإنسان البلتداون كان ذكياً ماهراً إلى حد ما، أو لدرجة أوصلته إلى أن يشكل من عظام فخذ هذه الفيلة أسلحة مشوهة الشكل، ومن العدل حينئذ أن نضيف إلى ذكائه ومهارته شجاعته وقدرته في الصيد والقنص.
سبق أن بينت أن إنسان الكهوف كان أسير التقاليد والأزياء. وكيف كان نوعٌ وشكل واحد من أنواع الأدوات أو الأسلحة أو غيرها يعم استعماله القارة كلها، وكيف أن بقاء الزي الواحد كان لمدة أطول بكثير مما هو عليه الآن.
وإذا نحن بعدنا إلى عصر الأودية فإننا نجد براهين أخرى على ما ذكرنا. حقيقة لا يمكننا معرفة وقت بدء استعمال هذه الآلات والأدوات الحجرية سواء في عصر الأشيلية والشيلية أو البريشيلية، إلا أنه يمكننا مع ذلك أن نقول واثقين كل الثقة أن المرأة كانت تحمل نفس الشعور والحواس النفسية التي تدفع أي امرأة في أي عصر من العصور إلى طريق العبودية للأزياء. وفي الوقت الحاضر بما فيه من وسائل مواصلات حديثة، يكفي الزي الواحد أسابيع قلائل كي ينتشر ويعم استعماله العالم أجمع، ولو أنه سريع الذهاب قليل البقاء أو الثبات، وهذا الأمر هو ميزة العصر الحالي، عصر السرعة والتقلب في كل