شيء. بعكس القديم الذي نحن بصدده، والذي ذكرنا في فقرتنا السابقة أن انتشار الزي الواحد كان يلزمه وقت طويل، ولكنه عند ما ينتشر يستمر عشرات آلاف السنين دون أن يتغير.
قد استطعنا من الآثار والمخلفات التي وجدناها في المقابر والكهوف وسواها أن نتتبع تاريخ حياة الإنسان من نحو مائتي ألف سنة، وبذلك وصلنا إلى عصر من العصور سماه علماء الجيولوجيا عصر البليستوسين ولدينا من البراهين القوية ما يثبت أن الإنسان في هذا العصر قدُ وجد كامل التكوين جسما وعقلا، ولذلك نجد أنفسنا مضطرين لأن نرجع إلى ما قبل هذا العصر، إلى عصر أطلق عليه اسم عصر البليوسين وبذا نجد أن مخلفات العصر السابق ليست ذات أهمية لنا، ونجد ضروريا أن نبحث عن آثار أقدم. وقد وجد أن الأنهار الشمالية ومنها التيمس والرين والألب وغيرها تحفظ في قاعها وبين طبقات شواطئها من مخلفات العصر الذي نحن بصدده ما يجعلها تفوق في الأهمية أي متحف جيولوجي أو طبيعي.
كانت مصبات الأنهار الشمالية تصل إلى أقاصي القارة الأوربية وتصب في بحر الشمال. وكانت إنجلترا تتصل بباقي أوروبا عن طريق سهل فسيح جداً ممتد بينها وبين القارة. إلا أن هذا السهل قد ذهب ضحية عوامل الانخفاض في القشرة الأرضية فغمرته المياه ولم يبق منه إلا شريط مستطيل رفيع يمتد في شرق انجليا. وإنك لترانا مازلنا في بحثنا عن إنسان البليوسين نعتمد على مخلفات الأنهار وما تحفظه المجاري المائية بين طبقات قاعها أو كهوف سواحلها. وحقيق بي أن أذكر هنا عبارة حين قال: , وهذا معناه أن الأنهار تحفظ لنا بين ثناياها التاريخ الصحيح لقديم الزمان، وعلى العالم الجيولوجي أن يقرأن لنا هذا التاريخ ويفسر ما التبس منه وما غمض.
قلنا إن شرق انجيليا يكون جزءاً من سهل بحر الشمال البليوسيني، فإذا كان هناك إنسان قد عاش في أوربا وسكنها في ذلك العصر فلابد أن نجد آثاراً أو مخلفات تدل على سابق وجوده. وقد حدث أن المستر ريد موير بدأ يبحث في طبقات البليوسين في شرق انجيليا تلاحظ أنه على أعماق مخصوصة وجد قطعاً صخرية صماء دلَّته دلالة نقض فيها على إنُها من عمل الإنسان. وبعد سنوات عديدة أمكنه أن يكوّن مجموعة من هذه الصخور