كان الذي يقول - قبل بضع سنوات - إن الحرب واقعة وأن العالم مقذوف به في جحيمها لا محالة، يعد من المنجمين الذين يُقرأ كلامهم للتسلية ولا يحمل على محمل واحد من محامل الجد؛ أما الآن فإن الحرب على كل لسان وفي كل ذهن وإن كانت كل دولة تقول وتؤكد إنها لا تريدها ولا تسعى لها وأنها تحاول أن تتقيها جهدها. والحق أن المرء لا يكاد يصدق أن دولة ما - مهما بلغ من وفاء عدتها - تقدم على إضرام نار الحرب في الدنيا وتعرض المدينة للبوار، وكيان العالم للتقوض والانهيار. وهي شرارة واحدة تطير فإذا الدنيا كلها براكين تقذف بالحمم فقد مضى الزمن الذي كان يسع أمتين فيه أن تتقاتلا ما شاءتا، وبقية الأمم وادعة ساكنة وآمنة مطمئنة لا تكاد تعني بما يجري في ساحة الحرب، وصرنا إلى زمن كل ما يحدث فيه له رجعة وصداه في كل زاوية وركن من هذه المعمورة. ولا أمل في هجوم مختلس وزحف سريع فإذا النصر قد خرجت به أمة والهزيمة قد بائت بها أخرى. ولم تعد الحرب قتالاً بين جيش وجيش بمنعزل عن الأمم والشعوب بل أصبحت تدور بين الأمم نفسها بكل ما تمتلك من وسائل التدمير والتخريب ومعدات الدفع والتوقي، وليس الذي يصيب غير المحاربين من البلاء والنكبات والتقتيل دون الذي يصيب الذين هم في الصفوف. ولا فرق في الحقيقة - أو لم يبق ثم فرق - بين مجند يحمل سلاحه ويسير إلى حيث يؤمر، وآخر يقيم في بيته بين أهله وأبنائه ويذهب إلى عمله الذي يكسب منه رزقه؛ وقد يكون الجندي أحسن حالاً لأنه يجد على الأقل من يعني بتدبير وسائل الوقاية له وتوفير الطعام والشراب وتمكينه من الراحة على قدر المستطاع، أما أهل المدن والقرى من شيوخ ونساء وأطفال وغير هؤلاء وأولئك ممن لا يؤخذون للحرب فيفاجئون في أية ساعة من ساعات الليل أو النهار بالتخريب والتدمير والتقتيل من غير أن تكون لهم أمثال الوسائل المتوفرة للجندي الذي في الصف للدفاع والهجوم، ومقابلة كل طارئ بما يستدعيه.
نقول إن المرء يصعب عليه أن يصدق أن دولة تجازف بالإقدام على الحرب واحتمال تبعة إضرامها في العالم لأن أهوالها أفظع من أن تسمح بهذا التصديق، ولأن النصر فيها