كالهزيمة من حيث الخراب الذي يحل بالفريقين المحتربين، ولأنها لا بد أن تطول حتى تستنزف القوى جميعاً بعد أن أصبحت جهاداً بين شعوب لا مجرد اعتراك بين جيوش؛ حتى النساء صرن يجندن أو يدربن على أعمال الجنود، أو يستخدمن على الأقل في المصانع والمستشفيات من ثابتة ومتنقلة وفي سوق السيارات وغير ذلك مما يسهل أن يقمن به وهن بعيدات عن الصفوف الأولى للمحاربين
ولكن الأمم على الرغم من هول الحرب تبدو ماضية إليها بسرعة، ولا تكاد تلوح بارقة من الأمل في اتقائها واجتناب كارثتها الشنيعة، فكل دولة تكدس السلاح والذخيرة وتحث المصانع على العمل المتواصل، وكل مجهود موجه إلى استيفاء الأهبة في كل باب ولكل احتمال. والشعور بالاستعداد - أي بالقوة - يغري بالتهور كما يمكن أن يصد عنه، فالذين يقولون إن أحسن وسيلة لمنع الحرب هي الاستعداد لها مصيبون ومخطئون في آن معا. فما من شك في أن علم الدولة التي تحدثها نفسها بالحرب أن غيرها مثلها استعداداً لمقابلة الشر بمثله، خليق أن يبعثها على التردد الطويل والحساب الدقيق للعواقب، ومتى بدأ الحساب فالأحجام مرجح لأن المفاجأة الحاسمة مستحيلة في هذا الزمان، وعند كل أمة من الرجال والعقول والمواهب مثل ما عند الأخرى - ونعني أمم الغرب على الأقل - وكل دولة تستطيع أن تستدرك ما يظهر لها من النقص بسرعة كافية. وقد جرب العالم هذا في الحرب الكبرى، ومعلوم أن ألمانيا فاجأت الحلفاء يومئذ بالغازات الخانقة فما لبث الحلفاء أن اتخذوا الكمائم ثم ما عتموا أن اهتدوا إلى صنع الغازات فصاروا يرسلونها على الألمان كما كان يرسلها الألمان عليهم. واحتاجت بريطانيا إلى بعض المواد التي لا غنى عنها لصنع الذخائر - وكانت قد أصبحت منقطعة أو عزيزة المنال - فاحتثت همم علمائها فهداهم البحث والتجريب إلى ما يحل محل هذه المواد ويغني غناءها وهكذا. ولا شك أن كل أمة تعول على سلاح لديها أكثر مما تعول على سواه ولكنها لا تستطيع أن ترجو طول الانفراد به وبمزيته بعد أن تلح به على أعدائها في الحرب
غير أن وفاء العدة يغري من ناحية أخرى بالغطرسة ومحاولة التحكم، ومتى صارت الأمم كلها شاكية مستعدة فأخلق بذلك أن يجعلها أضيق صدراً عن احتمال الغطرسة والشموخ. والأعصاب تتلف في مثل هذه الأحوال. وقد يكون تلف الأعصاب أجلب للحرب من أي