عاد لامرتين في عام ١٨٤٤ إلى نابولي، تلك المدينة التي ألقت قدميها في الماء، وتركت البحر يدغدغها والنسيم يقبلها. وكانت زيارته الثالثة لهذه البلدة التي خلّفها في صباه، وخلّف وراءه فيما (جرازيلا) الحبيبة تعاني فجعة البين، ولوعة الحب، ووله الحنين. وطاب له المقام، فأقام في جزيرة صغيرة بالقرب منها، يرتع بين حلم موشّى، وعيش هادئ، وتذكر قاتل. وطافت به أشباح الأحباب في السنين الخوالي، ورأى جرازيّلا تهدهده بالنغم البارع فوق ثبج البحر، وتحزنه بالشكوى المحرقة في ذلك القصر العتيق. فجاش في صدره شعر باك حزين، برغم السنين الأربعين التي عمرها، وبرغم هذه الشعور التي تشبه غبشة الفجر. وماله لا يقول الشعر الحزين وقد مات الهوى وفقد الحبيب، وهو بعيد عن وطنه، وحيد على سيف هذا البحر الهائج كالغلام اليافع، فقال عشرين بيتاً من الشعر عثر عليها منذ حين في مجموعة نادرة مخطوطة لأشعار لامرتين في مكتبة السيد لويس بارتو الخاصة، ولم تكن قد نشرت من قبل. وهأنذا أنقلها للناس: