للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإشراق الإلهي وفلسفة الإسلام]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

كما تطلع الشمس بأنوارها فتفجر ينبوع الضوء المسمى النهار، يولد النبي فيوجد في الإنسانية ينبوع النور المسمى في الدين وليس النهار إلا يقظة الحياة تحقق أعمالها، وليس الدين إلا يقظة النفس تحقق فضائلها.

والشمس خلقها الله حاملة طابعه الإلهي في عملها للمادة تُحَوِّل به وتُغَيِّر، والنبي يرسله الله حاملاً مثل ذلك الطابع في عمله للروح تترقى فيه وتسمو.

ورعشات الضوء من الشمس هي قصة الهداية للكون في كلام من النور وأشعة الوحي في النبي هي قصة الهداية لإنسان الكون في نور من الكلام.

والعامل الإلهي العظيم يعمل في نظام النفس والأرض بأداتين متشابهتين: أجرام النور من الشموس والكواكب، وأجرام العقل من الرسل والأنبياء.

فليس النبي إنسانا من العظماء يُقرأ تأريخُه بالفكر مع المنطق، ومع المنطق الشك، ثم يُدرس بكل ذلك على أصول الطبيعة البشرية العامة؛ ولكنه إنسان نجميٌّ يُقرأ بمثل (التلسكوب) في الدقة، معه العلم، ومع العلم الإيمان، ثم يُدرس بكل ذلك على أصول طبيعته النورانية وحدها.

والحياة تنشئ علم التأريخ ولكن هذه الطريقة في درس الأنبياء صلوات الله عليهم - تجعل التأريخ هو ينشئ علم الحياة؛ فإنما النبي إشراق إلهي على الإنسانية يقومها في فلكها الأخلاقي، ويجذبها إلى الكمال في نظام هو بعينه صورة لقانون الجاذبية في الكواكب.

ويجيء النبي فتجئ الحقيقة الإلهية معه في مثل بلاغة الفن البياني، لتكون أقوى أثراً. وأيسر فهماً، وأبدع تمثيلاً؛ وليس عليها خلاف من الحس. وهذا هو الأسلوب الذي يجعل إنسانا واحداً فنَّ الناس جميعاً، كما تكون البلاغة فن لغةٍ بأكملها؛ هو الشخص المفسِّر إذا تعسَّف الناس الحياة لا يدرون أين يؤمون منها، ولا كيف يتهدَّون فيها، فتضطرب الملايين من البشرية اضطرابَها فيما تنقبض عنه وتتهالك فيه من أطماع الدنيا؛ ثم يخلق رجل واحد ليكون هو التفسير لما مضى وما يأتي، فتظهر به حقائق الآداب العالية في قالب من الإنسان العامل المرئيّ، أبلغ مما تظهر في قصة متكلمة مرويّة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>