بدأنا بقنطار ثمين فأجملنا ما نراه من مذهب في صفات الجمال، وكانت خلاصته أن الجسم الجميل هو الجسم الذي ليس به فضول، وهو الذي يحمل كل عضو فيه نفسه غير محمول في مشهد العين على سواه، وهو الذي يكون مقياس الفضول فيه أداء الوظيفة، ومقياس الوظيفة بين عضو وعضو وبين حيوان وحيوان قربها من الحرية وبعدها من القيد والضرورة
وهذا مقياس أعضاء وأجسام
ومقياس معان أيضاً وأفكار وأرواح
فأننا بهذا المقياس نعرف الكلمة الجميلة والشعر الجميل والخلق الجميل والفكر الجميل
فلن يكون جميلاً فكر به فضول فهو زائد فضفاض في غير طائل، أو فكر فيه قصور فهو مفتقر إلى غيره وليس بمحمول على نفسه، أو فكر يظهر فيه عجز التقييد وعسف الضرورات
وذلك ما أردناه حين قلنا إن الجمال يخرج الأجسام من عالم الشهوات والنزوات إلى عالم المعاني والأرواح، وأن العين التي تنفذ إلى لبابه تنظر إليه كما تنظر إلى الحقائق العليا، وإلى الأصول الشائعة في نظام الوجود كافة؛ فإذا اتفق أن يعبث العابث بالجمال فكما يتفق أن يسرق السارق جوهرة نفيسة: لا يسرقها لأنها جميلة وهو يحب الجمال، ولكنه يسرقها لأنه يستحضر في ذهنه السوق، والسوء!
ثم رجعنا إلى بقية الذهب، ثم تلاحقت الملحقات من تفريع إلى حاشية إلى تذييل، إلى هذا الختام، وكان به ختام الصيف وختام السفرات في كل أسبوع إلى الإسكندرية
أكتبه إلى جوار الصحراء صديقتي القديمة منذ عرفت الأصدقاء في الأماكن والبقاع
وأصغي فلا أسمع الأمواج كأنها فوران القدر العظيمة عند ميناء الإسكندرية، ولا أسمع الأمواج كأنها غطيط النائم في اطراد رتيب عند ميناء مرسى مطروح، ولا أسمع الأمواج كأنها المارد الوديع الحالم عند ميناء السلوم، فلا هدير له ولا ضجيج، بل سكون كسكون النيل في ساعة صفاء قرير