للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا أسمع الأمواج ولكني أسمع الصحراء، ومن طالت عشرته للصحراء سمعها وهي تسكت، وسمعها وهي تصخب، وسمعها وهي لا تحفل بأسماع، ولخص ذلك كله في كلمة واحدة، وهي القناعة أو الاستخفاف أو القوة التي تغالب الأزمان؟ لأن الأزمان تقوى على التغيير. . . فإذا لم يكن تغيير فماذا يبلغ من قوة زمان واحد أو من قوة جميع الأزمان، وإذا كان التغيير لا يغير منها الحقيقة ولا يمس منها إلا العرض فلماذا تباليه الصحراء؟

ورجعت أعرض صور الإسكندرية فإذا هي كثيرة تتصل بها أجزاء الدنيا وترينا كيف يتشعب العالم وكيف يؤول إلى التماثل والتوحيد

فالعالم اليوم يحكمه زي واحد تبصره في شواطئ القارة الحديثة، وتبصره في شواطئ الصين، كما تبصره في شواطئ بحر الروم وفي شواطئ بحر الظلمات، الذي ليس فيه اليوم ظلمات

أو هذا كل ما هنالك من تماثل وتوحيد بين أجزاء العالم المتنابذ المستعد في هذه الساعة لأشنع الحروب

كلا. بل هنالك تقارب بين المثل والأوضاع في كثير من الأمور

هنالك العملة التي كانت من قبل أخص الخصائص فيما يسمونه بالسيادة القومية فأصبحت اليوم موضع التفاهم والاتفاق بين شتى الحكومات

وهنالك المحظورات والتواصي بمنعها بين الدول من الرق إلى المخدرات إلى المهربات

وهنالك الجيوش والمؤتمرات التي تنعقد من حين إلى حين لتقرير عددها وتقرير سلاحها وتقرير نظامها، وإن لم تسفر عن وفاق وإجماع

بل هنالك الحرب التي لا يتأتى أن تنفجر في مكان إلا عمت جوانب الأرض بعد بضعة أسابيع

فالعالم يمضي إلى التماثل والوحدة، ولا ينفي هذه الحقيقة أنه ماض كذلك إلى الوحدة في الشرور والنكبات، بل إن هذا ليؤكدها ويجلوها في جانبها المخيف كما يجلوها في جانبها المأمون، وجانبها المحبوب

أزياء الشاطئ تكشف لنا هذه الحقيقة وتكشف لنا معها حقيقة أخرى يأسى لها كثيرون ويغتبط بها كثيرون

<<  <  ج:
ص:  >  >>