أو لم يكن الراقصون والمغنون وأصحاب الملاهي والملاعب نفاية الجماعة الإنسانية في الأجيال القريبة؟
فأنظر اليوم من ذا الذي يفرض على الناس الأزياء والآداب؟ ومن ذا الذي يملي عليهم ما يشتهون وما ينبذون؟!
إنهم هم نفاية المجتمع بالأمس وسادة المجتمع اليوم!
إنهم فتيان هوليود وفتيات الستار الأبيض فيها وفي كل مكان
فأين هي اليوم تلك السيدة التي تخجل من ظهورها في مظهر الممثلات على ذلك الستار؟
وما معنى ذلك إلا أن المجتمع ينقلب رأساً على عقب ثم لا يستقر على هذا الانقلاب؟
وهل بعيد ما بين هذه الحقيقة وبين حقيقة أخرى في عالم السياسة الدولية نشهدها ونسمعها الآن فيما نشهد ونسمع من نذير وشرر مستطير؟
ما معنى الحرب اليوم إلا أن نفايات المجتمع قد أصبحوا يسوسون الدول ويقودون الشعوب ولا يؤمنون إلا بما يؤمن به النفايات من غلظة وجور وعنت وتحطيم؟
لئن كان الحجر على هذه النفايات فيما مضى ظلماً لقد رأينا الساعة أن سيادتها ليست بأنصاف، بل فيها الظلم والإنصاف مزيج كريه المذاق، ومصفاة الزمن خير كفيل بالتصفية والترويق، ولا خوف على الزمن آخر الأمر من العجلة ولا من الأناة. .
صور كثيرة بقيت في خلدي من الإسكندرية كأنها صفحات مقسمة من معارض الفن والحياة والتاريخ
وستبقى ما قدر لها البقاء، وسيكون من إبقائها وأولاها بالبقاء صورة واحدة لمخلوق ضعيف أليف يعرف الوفاء ويحق له الوفاء، وذلك هو صديقي (بيجو) الذي فقدناه هناك. وأني لأدعوه صديقي ولا أذكره باسم فصيلته التي ألصق بها الناس ما ألصقوه من مسبة وهوان، فإن الناس قد أثبتوا في تاريخهم أنهم أجهل المخلوقات بصناعة التبجيل وأجهلها كذلك بصناعة التحقير. . . فكم من مبَّجل بينهم ولا حق له في أكثر من العصا!
وكم من محَّقر بينهم ولا ظلم في الدنيا كظلمه بالازدراء والاحتقار!
وكنت أقدر أنني سأخلو من العمل في مجلس النواب ثلاثة أشهر الصيف الشديد، فأخلو بنفسي وبالبحر والصحراء في مرسى مطروح أو في السلوم، وأفرغ هناك لتأليف كتابي