الذي جمعت له ما جمعت من الأخبار والوقائع عن الصحراء وأبنائها الأقدمين والمحدثين
فلما تواصلت الجلسات أزمعت أن أقضي أياماً في القاهرة وأياماً في الإسكندرية من كل أسبوع، ولم أصحب بيجو في الرحلة الأولى ولا في الثانية ولا عزمت على اصطحابه بقية أشهر الصيف، اكتفاء بأن أراه أيام مقامي في القاهرة وأن أعود إليه كل أسبوع
ولكن المخلوق الأمين الوفي أرغمني على مصاحبته كلما ذهبت إلى الإسكندرية وكلما رجعت منها، لأنه صام عن الطعام صومة واحدة في الرحلة الثانية، وزاده إصراراً على الصيام أننا كنا نتركه في كفالة الشيخ أحمد حمزة طاهينا القديم الذي يعرفه قراء كتابي (في عالم السدود والقيود)
والشيخ أحمد حمزة كما علم أولئك القراء رجل يكثر الصلاة والوضوء ويعتقد نجاسة الكلاب فلا يقربها إلا على مسافة أشبار
وبيجو مخلوق حساس مفرط الإحساس ما هو إلا أن تبين النفور من الشيخ أحمد حتى قابله بنفور مثله أو أشد وأقسى. فكنا إذا تعمدنا تخويفه وزجره نادينا:(يا شيخ أحمد). . . فإذا بيجو تحت أقرب كرسي أو سرير، ثم لا يخرج من مكمنه إلا إذا أيقن أن الشيخ أحمد حمزة بعيد، جد بعيد
فلما استحال التوفيق بينهما واستحال إقناعه بالعدول عن الصيام في غيابنا أصبح بيجو من ركاب السكة الحديد المعروفين بالذهاب والإياب، واصبح يزاملنا من القاهرة إلى الإسكندرية ومن الإسكندرية إلى القاهرة كل أسبوع، وشاعت له نوادر في معاكسته للموظفين ومعاكسة الموظفين له، يتألف منها تاريخ وجيز. . .
ثم أصابه في الإسكندرية ذلك المرض الأليم الذي كان فاشياً فيها واستعصى علاجه على أطباء الحيوان، فلزمته في مرضه مخافة عليه من مشقة السفر، وعلمت أن الأمل في شفائه ضعيف، ولكني لم أجد مكاناً أولى بإيوائه من المكان الذي أراه ويراني فيه
وإني لفي ظهيرة يوم بين اليقظة والتهويم إذا بهمهمة على باب حجرتي وخدش يكاد لا يبين، ففتحت الباب فرأيت المخلوق المسكين قابعاً في ركنه يرفع إلي رأسه بجهد ثقيل، وينظر إلي نظرة قد جمع فيها كل ما تجمعه نظرة عين حيوانية أو إنسانية من معاني الاستعطاف والاستنجاد والاستغفار: أحس المسكين وطأة الموت فتحامل على نفسه، وخطا