من واجب كل أمة تريد أن تستكمل نهضتها، وترفع من شأنها، أن تعرف ماضيها حق المعرفة. فليست القومية الوطنية إلا التاريخ المتجدد مع الزمان. ولست أدري كيف نريد أن نعتز بمصريتنا دون أن نعرف دقائق تاريخنا. وقد شاءت إرادة المستعمر أن يسدل بيننا وبين تاريخنا ستاراً كشيفاً من النسيان يحجبنا عنه حتى لا نتعلق بأذيال الوطنية ولا نطالب بالتخلص من نير الاستعمار فلم يكن يسمح بدراسة التاريخ القومي إلى بمقدار. حتى إذا قامت مصر قومتها ظهر كثير من المفكرين والكتاب يحاولون تدوين ذلك التاريخ القومي الذي يصل بيننا وبين ماضينا سواءٍ في ذلك الماضي البعيد أو القريب. وأرخ لهذا الماضي القريب الراقص في الحركة القومية ولكنه عنى قبل كل شيء بالجانب السياسي ولو أنه لم يغفل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأدبية حتى لقد أفرد في كتابه فصولاً قصارا ترجم فيها لبعض أعلام مصر الحديثة مثل رفاعة رافع الطهطاوي من البارزين في سماء النهضة المصرية.
ويحتاج التحقيق التام للحركة الأدبية في القرن التاسع عشر إلى مجهودات كثيرة ينقطع فيها الباحثون إلى التاريخ لرجال الفكر والأدب في القرن الماضي.
وقد دفعت وطنية صديقنا الأستاذ محمد عبد الغني حسن الشاعر الأديب إلى رسم صورة محققة عن بعض أعلامنا يجد الباحث عنهم العناء الشديد في التعرف إليهم. فنفض عنهم غبار النسيان وجلا للقراء صفحة مطوية من تاريخ مصر الحديث.
فهو يحدثنا عن مصطفى مختار بك أول وزير للمعارف المصرية الذي أرسله محمد علي باش مع البعثة المصرية إلى فرنسا، وهي تلك البعثة التي كان رفاعة الطهطاوي إماماً لها.
ويحدثنا بعد ذلك عن شاعر الخديوي الأول الشيخ محمد شهاب الدين وهو كما يحدثنا صاحب هذا الكتاب (الشاعر الرسمي لمصر الحديثة). ولم يكن هذا الشيخ ربيب الأزهر وإنما كان وزاناً صغيراً في أسواق البيع والشراء. وكأن الوزن المادي في الأسواق النافقة والكاسدة كان تمهيداً للوزن المعنوي في سوق القريض والقصيد فقد أصبح هذا الوزان