للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[طرائف من العصر المملوكي:]

رسالة الدار عن محاورات الفار أو فن القصة

الأستاذ محمود رزق سليم

بقية ما نشر في العدد الماضي

اتبع كذلك المؤلف طريقة الحريري والهمذاني في ابتداع شخصيتين في القصة، شخصية راوٍ هو (حسان) ومروي عنه وهو (الحكيم حسيب) الذي أشرنا إليه فيما سبق. فيقول مثلاً (قال الراوي حسان. معدن الظرافة والإحسان: فتوجه الحكيم حسيب الأديب الأريب إلى إيراد الأخبار. عن الهداة الأخيار. فحكى أن ملكاً من ملوك الأمصار. وسلاطين العجم يدعى (شهريار). . . الخ). وذلك شبيه بما كان يقوله مثلاً أبو قاسم الحريري: حدثنا الحارث بن همام. . . ثم يقص قصته عن أبي زيد السروجي.

وقد توخى المؤلف في كتابه، مفاكهة الناس على اختلاف درجاتهم وتباين مشاربهم، من الحديث المشوق الذي يجذبهم إلى سبل الخير. وأسلوبه وإن كان مزدحماً بالبديع وبخاصة السجع، لأنه من المولعين به، من الحق علينا أن ننصفه، وأن نذكر أنه أخف مئونة من أسلوب المقامات العباسية حين بلغت أوجهاً على يد الهمذاني والحريري. وهو أكثر حكمة وأوفى مثالاُ وأدق تعبيراً وأكثر تحليلاً لخفايا النفوس، وإظهاراً لهواجسها، فلم يقتصر على الأوصاف الحسية بل حلل وتعمق وأمعن ودقق. فليست البراعة الأسلوبية رائدة الأول أو دافعة الأكبر على تدبيج قصصه وتأليف كتابه. وبهذا كله يفترق عن كتاب المقامات.

أما المقامات فقد عرفناها منذ عصر بني العباس، قصصاً وصفية يعني فيها بإظهار البراعة في الصناعة البديعية. وقد اتجه من أدباء العصر المملوكي إلى إجادة هذا الفن من القول. وقد تعددت موضوعاتها واتسع نطاق الوصف فيها، وخرجت عن سمت الاستجداء، واستوت المقامات فأصبحت في مقدمة الأغراض الكتابية في العصر المذكور، ومظهراً من مظاهر الصناعة البديعة، مع قلة تعسف، وخفة مئونة. وقد قرأت أربع مقامات لزين الدين بن الوردي (٧٤٨هـ) التزم في أولها أن يقول: (حدث إنسان. من معرة النعمان) أو نحو ذلك. ولعله يقصد بالإنسان نفسه، وأولى هذه المقامات (المقامة الصوفية) وقد صور لنا فيها

<<  <  ج:
ص:  >  >>